نون والقلم

طارق تهامي يكتب: صناعات صغيرة أم مشروعات صغيرة؟

مازلت عند رأيي الذي كتبته وأعلنته عدة مرات.. مصر ليست في حاجة إلى مشروعات صغيرة، ولكنها في حاجة إلى تدقيق الهدف وتخصيصه، ويجب أن نؤمن بأننا في حاجة إلى «الصناعات الصغيرة»!! قد تقول لي: وما الفارق؟ سأقول لك إن الفرق كبير جداً.. لأننا نحتاج إلى تنظيم عمل الصناعات الصغيرة لتحقيق عائد على الاقتصاد المصري يتناسب مع ما تصبو إليه الدولة المصرية.

المساواة بين المشروعات الصغيرة والصناعات الصغيرة فيما يتعلق بالتشريعات، والميزانيات، والخطط والأهداف، هي مساواة ليست في محلها لأننا لا نستطيع معاملة من يقوم بإنتاج مُنتج صناعي قابل لتغطية السوق المحلي وتوفير العملة الصعبة التي يتم انفاقها مقابل الاستيراد، ومن ثم تصدير هذا المنتج للخارج بعد تغطية السوق المحلي، لا يمكن معاملته دون تمييزه عن صاحب المشروع الصغير الذي يستهدف شغل السوق في إطار دائرة تداول الأموال فقط، ودون جلبها من الخارج أو توفيرها بالإنتاج الذي يمنحنا الاستغناء عن منتجات خارجية.

وبالتالي فإن المساواة بين المصطلحين (المشروعات الصغيرة والصناعات الصغيرة) هي مساواة ليست في محلها، لأننا في حاجة إلى الصناعات الصغيرة للنهوض بــ الاقتصاد المصري.

وما أقوله هنا ليس معناه تقليل الامتيازات الخاصة بالمشروعات الصغيرة، أو المنح التي يحصل عليها صاحب المشروع الصغير، وخاصة الشباب منهم، ولكن فقط أطلب زيادة المنح والامتيازات الخاصة بأصحاب الصناعات الصغيرة، مهما كانت أعمارهم، ومهما كان تصنيفهم الإقليمي أو المهني.

إذا أردنا اتخاذ خطوات صناعية مهمة، فيجب علينا الاهتمام بعدد من الحرف والصناعات التي تتركز في قرية أو محافظة بعينها، دون غيرها، وهي ذاتها الطريقة التي تمكنت من خلالها دولة الصين، من تحقيق نهضة صناعية عظيمة، فتحولت قراها ومدنها، إلى مراكز صناعية متخصصة، وهو ما نحتاجه لنتمكن من الاكتفاء الذاتي، وحتى نعبر إلى التصدير الدائم المستقر، لصناعات وحرف، نمتلك أدواتها.

هذا البلد، يمتلك إمكانيات ضخمة، لم يتم استغلالها فعليًا حتى الآن، ونستطيع إنشاء مُجمعات ضخمة للصناعات الصغيرة التي تسهم في الناتج القومي، وتؤدي إلى زيادة الإيرادات الحقيقية، لمنظومة الاقتصاد، ولكن يكفي أن تتجه أنظار رجال الصناعة المصريين لها، وأن تساعدهم مؤسسات الدولة في تحقيق المستهدف الاقتصادي من هذه المشروعات!

مثلًا.. محافظ الدقهلية، لماذا لا يقوم بزيارة قرية «الجراح» بمركز أجا، لسؤال الناس هناك عن احتياجاتهم، ومشكلاتهم، والمعوقات المتعلقة بالإنتاج؟! قرية الجراح لمن لا يعرفها، هي القرية النموذجية الأهم في محافظة الدقهلية، لأنها نجحت في القضاء على البطالة تمامًا، فجميع أبناء القرية يعملون في صناعة الزجاج، وتعمل النساء في زخرفتها، وتخصصت القرية في هذه المهنة، حتى تمكنت الورش الموجودة بها، من تشغيل الكبار والصغار، في مراحل التصنيع المختلفة، بل إنها نجحت في تشغيل بعض أبناء القرى المجاورة، في هذه المهنة.

ونجحت أيضًا بعض الورش في تصدير المنتجات للخارج، وأسهمت في جلب عملة صعبة للبلاد، ونحن هنا نتكلم عن قرية كاملة تسهم في الناتج القومي، وحتى الآن لم تتدخل الجهة المسئولة عن رعايتهم لتطوير عمل الورش هناك، وتحويلها إلى مصانع كبيرة، صحيح التكلفة تتجاوز المليار جنيه، ولكنها ميزانية لن تضيع في الهواء، ولكنها ستحقق ملايين الدولارات خلال سنتين على الأكثر، لتتحول إلى صناعة عملاقة تحقق دخلًا ثابتًا، للقرية، والمحافظة، والدولة!

وبمناسبة الزجاج.. هل تعرف أن منطقة البحر الأحمر، ووسط وجنوب سيناء، وبعض مناطق الصحراء الغربية، يوجد فيها «كنز»؟ نعم كنز طبيعي اسمه رمال الصحراء!! لأن مصر واحدة من أهم دول العالم، في امتلاك الرمال البيضاء وبكثافة عالية، وهذا النوع من الرمال يتم استعماله في تصنيع الزجاج والكريستال، وكنا نقوم، منذ سنوات، بتصدير هذه الرمال البيضاء إلى عدد من البلدان الصناعية في أوروبا وآسيا، خاصة، إيطاليا والصين، بسعر 30 دولارًا للطن، وتقوم هذه الدول بتصنيعه، وإعادته لنا زجاجًا فاخرًا، بسعر يتراوح بين ألف وعشرة آلاف دولار للطن الواحد! بل يتزايد السعر إذا تم تحويله إلى رقائق إلكترونية! ولا أعرف.. هل مازالت عمليات تصدير الرمال قائمة أم لا.

ولكن بأي حال لماذا لا نسعى بأي صورة، لتحويل الرمال إلى ذهب، من خلال إنشاء مصانع عملاقة، تقوم بتحويل هذا الكنز المجاني المتواجد منذ آلاف السنين في صحرائنا إلى زجاج مصري فاخر ونقوم في نفس الوقت بتوريد الرمال لمصانع زجاج صغيرة في المحافظات؟ ألا تستحق هذه الفكرة رعاية الدولة؟! ألا تستحق مصانع الزجاج الكبيرة، البحث في أسباب تراجعها وفشلها إداريًا وإنتاجيًا؟ ألا يستحق أصحاب ورش صناعة الزجاج الصغيرة، في الدقهلية وغيرها، تسليط الضوء على مشكلاتهم، واستماع المحافظين لهم، مثلما يستمعون، لأصحاب المشروعات الفردية ضعيفة الناتج؟!

النماذج التي تستحق الاهتمام والرعاية كثيرة، ولكن تحتاج إلى إرادة من المحافظين والمسئولين المحليين، والوزراء المعنيين، ويجب أن تكون لديهم مبادرة اقتحام المشكلات الاقتصادية بطرق غير تقليدية!

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى