يمر العالم بتحولات سياسية واقتصادية كبيرة، ربما لم يشهدها منذ عقود، وهناك مخاوف وتوجسات أن تكون الحرب الروسية الأوكرانية، بداية لشرارة الحرب العالمية الثالثة، خاصة في ظل إصرار روسيا والصين على إنهاء الهيمنة الأمريكية، والانتقال من مرحلة نظام القطب الواحد التي فرضتها أمريكا على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، إلى نظام جديد متعدد الأقطاب، وهو أمر من المؤكد لن تستسلم له الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها بسهولة، وهو ما نراه الآن على أرض الواقع في الدعم الغربي الكبير لأوكرانيا، وفي حرب الطاقة.
وأيضا الحرب التجارية بين أمريكا والصين، وجميعها حروب تركت آثارًا بالغة على معظم دول العالم، ونتج عنها ارتفاع بالغ في الأسعار خلال العامين الأخيرين، وأكدت الاحصائيات أن هذه الارتفاعات فاقت ارتفاع الأسعار على مدار عشرين عاماً مضت، مما شكل ضغوطا شديدة على المجتمعات وعلى خطط الحكومات والدول، جعلها تعيد حساباتها وتحالفاتها في ظل التغيرات العالمية التي تحدث.
مؤكد أن اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى القادة في مدينة جدة قبل أيام، كان محل اهتمام جميع دول العالم في ظل حالة الاستقطاب التي يمارسها المعسكران الشرقي والغربي، ولم يكن حضور الرئيس الأوكراني زيلينسكي اجتماع القمة العربية إلا تأكيدا على هذا المعنى، ولم يكن اصطحابه لمفتي أوكرانيا والإشارة إلى الأقلية المسلمة في أوكرانيا إلا مغازلة للعرب وتأكيدا على قدرة الدول العربية على التأثير في القضايا الدولية، لما يمتلكه العرب من امكانيات كبيرة وعلى رأسها موارد الطاقة، والموقع الجيوسياسي والثروة البشرية الكبيرة التي تشكل أحد أهم الأسواق العالمية.
لكن تبقى مشكلة العالم العربي الأزلية في خلافاتها الداخلية التي تصل في بعض الأحيان إلى حد العمالة والخيانة لقضاياها القومية، وإشعال الفتن والصراعات العرقية والطائفية على الأرض العربية، وتغذيتها بالمال والسلاح والإعلام من أجل مصالح صغيرة وضيقة وعلى رأسها الزعامات الزائفة وليس أدل على ذلك مما تعيشه كثير من الشعوب العربية من انقسامات وصراعات، وهو ما ينطبق على قضية العرب والمسلمين المحورية، وأقصد القضية الفلسطينية التي تسير من سيئ إلى أسوأ، برغم كل ما سمعناه من القادة العرب في هذه القمة وغيرها من القمم عن دعم الشعب الفلسطيني وقضيته التاريخية.
العرب لا يريدون التعلم من دروس الماضي البعيد أو حتى القريب، سواء في استنزاف مواردهم وثرواتهم، أو وقف الصراعات في منطقتهم التي باتت بؤرة صراع وحروب مستمرة وأكبر سوق عالمي لاستيراد السلاح، والتكنولوجيا والغذاء، ولا يريدون قراءة المشهد العالمي الجديد والتحولات التي تحدث، وإذا كان هناك من يقرأ، يسارع للعمل بشكل فردي بعيدًا عن الاطار الجماعي، كما يحدث في كل التكتلات العالمية، وأمامنا نموذج الاتحاد الأوروبي الذي تختلف كل دوله في كل شيء ولكنها تتحد في قرارها على عكس العالم العربي الذي تتحد دوله في كل شيء إلا في قرارها الموحد لسبب جوهري وهو أن كل دولة تريد الزعامة وفرض رؤيتها ووصايتها، والتعامل بالنظام القبلي في عالم سياسي متغير لا يعرف إلا لغة المصالح المشتركة والعمل الجماعي لخلق تكتلات ضاغطة، وهو ما سجلته مصرفي كلمتها بالقمة من خلال خطوات ثلاث محددة، تبدأ بأهمية الحفاظ على الدولة الوطنية بمؤسساتها حتى لا تواجه التفتت والتقسيم، وتم تفعيل العمل العربي المشترك لدفع مسار التنمية والوصول إلى رؤية عربية موحدة تجاه شتى القضايا، وانتهاءً بالتأكيد على أن الأمن القومي العربي كل لا يتجزأ، وهي رؤية تنقل العالم العربي إلى مصاف التكتلات الكبرى في ظل ما يشهده العالم من تحولات سريعة.
حفظ الله مصر
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية