مع انطلاق أولى جلسات الحوار الوطني، ظهرت رغبة مصرية عامة في تجاوز كل الصعاب والتحديات التي تمر بها الأمة المصرية، بسبب الأزمات التي تفجرت على المسرح الدولي بدءًا باجتياح فيروس كورونا للعالم وأصابته بالشلل لمعظم الدول وتأثيره البالغ على معدلات النمو.
وقبل أن يستفيق العالم من هذه الصدمة، جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتزيد المعاناة، وتضرب الدول النامية في مقتل، وتصيب الحكومات بارتباك شديد سواء في مشروعاتها القومية، أو خططها المستقبلية بعد أن توقفت سلاسل الامداد الغذائية وتنافس الدول الكبرى في رفع أسعار الفائدة، وهو ما تسبب في ارتفاع الأسعار بصورة بالغة، وترك آثار سلبية كبيرة على اقتصاديات الدول النامية، وأيضا هناك عوامل داخلية ساهمت في الأزمة الاقتصادية، ويأتي على رأسها استمرار الزيادة السكانية بشكل مطرد في ظل عدم سعى الحكومة لمواجهة هذه الظاهرة بحلول جدية وقرارات شجاعة، كما تظل أزمة جذب الاستثمارات الأجنبية قائمة لأسباب كثيرة ومتعددة، في الوقت الذي استطاعت دول مجاورة تحقيق نجاح كبير في هذا الجانب.
لقد بدا من الوهلة الأولى في جلسة الحوار الوطني أن الجانب الاقتصادي، أو بالأحرى المشكلة الاقتصادية تستحوذ على اهتمام أغلبية المشاركين في جلسات الحوار، وبدا هذا في معظم الكلمات التي نقلتها وسائل الإعلام، ثم جاء الجانب السياسي في المرتبة الثانية، وتركزت أيضا على جانبين فقط وهما السبيل إلى أفضل نظام انتخابي في مصر، وللأسف غفل البعض عن بعض النصوص الدستورية وتم طرح رؤى وأفكار يتعارض بعضها مع نصوص الدستور، ولم يشر من قريب أو بعيد إلى اجراء تعديلات دستوري لتغيير النظام الانتخابي، ووضع نظام انتخابي جديد يمكن التوافق حول ويمكن تطبيقه في مصر بكل الظروف الاقتصادية والسياسية والثقافية للشعب المصري.
أما الجانب الثاني فقد تركز حول الحريات العامة ومدد الحبس الاحتياطي، والحقيقة أن الواقع السياسي في مصر يحتاج إلى مناقشة عميقة ومتشبعة في جوانب كثيرة ويحتاج إلى تشريعات جديدة تواجه كل المظاهر السلبية التي عاشتها مصر في الحقبة الأخيرة منذ عودة الحياة الحزبية في بداية ثمانينيات القرن الماضي وحتى الآن وعلى رأسها اختلاط الدين بالسياسة، وتجريم قيام أحزاب سياسية بمرجعية دينية، وكذا الحال بالنسبة لاختلاط المال بالسياسة.
يبقى الضلع الثالث في جوانب الحوار الوطني الثلاثة، وهو المجتمعي الذي تلاشى في الجلسة الافتتاحية إلى حد ما.. وفى اعتقادي أنه الجانب الأهم في الجوانب الثلاثة المطروحة للنقاش على اعتبار أن بناء الإنسان والمناخ الاجتماعي هو أساس البناء الاقتصادي والسياسي، وهو بالتأكيد يبدأ بالبناء العلمي والثقافي، وهذا الجانب تحديدا -الجانب المجتمعي- كانت مصر فيه دولة رائدة قبل أكثر من قرن عندما رسخت لدولة المواطنة منذ انطلاق ثورة 19 بشعار الدين لله والوطن للجميع، وحررت المرأة المصرية ومنحتها كافة الحقوق المدنية، وجاء دستور 23 ليرسخ حقوق العمال والحريات العامة، وأسس الدولة الوطنية المدنية.
وهو ما خلق هوية مصرية مدنية ومجتمعا متحضرا ينافس المجتمعات الأوروبية على شتى المستويات بعد أن تفجرت الابداعات المصرية في شتى المجالات، إلا أن الحروب التي خاضتها مصر والتراجعات الاقتصادية كانت سببا في تراجعات كثيرة سواء ثقافية أو سياسية، وكان لها تأثير بالغ على هذا المجتمع، وهو تأثير يمتد إلى شتى جوانب الحياة سواء على ثقافة العمل والانتاج، أو عوامل الجذب والطرد للاستثمار، وأيضا هو أحد أهم العوامل تأثيرًا على الجوانب السياحية، وغيرها من جوانب السلوك البشرى التي تشير إلى مدى تحضر الأمم، وبالتالي يجب أن تكون أهم محاور الحوار الوطني.
حفظ الله مصر
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية