لعل من أشد انعكاسات تسرّب الوثائق السرية لوزارة الدفاع الأمريكية، ذلك الدوي لأجراس إنذار تنبّه إلى أن ما أفشت به الوثائق ليس فقط اختراقاً للأمن القومي للولايات المتحدة، بالنفاذ إلى أدق أسرارها العسكرية، بل ما سيحدث من تمدد العواقب إلى سياستها الخارجية، بعد كسر ثقة حلفاء وأصدقاء، نتيجة تجسسها عليها وعلى كبار مسؤوليها، حتى وصل الأمر ببعض الحلفاء الأصدقاء إلى طلب اجتماعات قمة مع أمريكا لبحث ما جرى، مثلما أعلنت ذلك كوريا الجنوبية.
ومن اللحظة الأولى عكفت أجهزة البنتاغون على حل لغز تسرب الوثائق الرسمية السرية، ومحاولة الكشف عن الشخصية المسؤولة عن اقتحام الخزائن المغلقة، والعثور على إجابة على السؤال: هل الوثائق تسربت أم سرقت؟
وجاءت المفاجأة الدرامية بإعلان إلقاء القبض في مدينة بوسطن، على شخص يدعى جاك تايكسيريا للاشتباه في أنه – المجهول حتى حينه – الذي سرّب الوثائق إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وتبيّن أنه عضو في وحدة مخابراتية بجهاز الطيران بولاية ماساشوسيتس، وفتحت المفاجأة الباب لمناقشات عن قابلية الأمن القومي للاختراق، وسارع مسؤولون بالبنتاغون بإيضاح أنه مسموح لعدد من الأشخاص بالاطّلاع على آلاف، إن لم يكن عشرات الألوف من الوثائق السرية، واتضح– مبدئياً– أن من بينهم المشتبه فيه المقبوض عليه الآن. وقبل إلقاء القبض على المتهم كانت البيانات الرسمية الأمريكية في حالة تناقض ما بين التشكيك في كونها وثائق حقيقية، وبين اتهام روسيا بأنها وراء تسريبها.
وقبل إلقاء المباحث الفيدرالية (F.B.I) القبض على المشتبه فيه، كانت بيانات المسؤولين الأمريكيين في حالة تناقض ما بين التشكيك في كونها وثائق حقيقية، وبين اتهام روسيا بأنها وراء تسريبها.
وحين سألت شبكة سي. إن. إن المتحدث بالكرملين، ديمتري بيسكوف عن هذا الاتهام قال: تلك هي عادتهم في إلقاء اللوم على روسيا في كل شيء. وأى شيء. ثم قال إن ما نشر عن تجسس الولايات المتحدة على دول تربطها بها علاقات وثيقة، ليس مما يدعو للدهشة، ولا يعد مفاجأة.
وفي مقابل ذلك قال مسؤول أمريكي لشبكة «سي. إن. إن»: إن الوثائق تبدو حقيقية. وليس هناك سبب يدعو للتشكيك فيها. وأكد ذلك محللون عسكريون بقولهم، من الواضح أمامهم أن الوثائق تبدو حقيقية، وأعرب مسؤولون أمريكيون آخرون عن أن الوثائق أظهرت إطلاع أمريكا مخابراتياً، على خطط روسيا العسكرية، وهو ما يبعد الشبهة عن روسيا.
وأمام ما بدأ يتأكد من أن الوثائق حقيقية؛ فإن تأثيراتها بدأت تنعكس على حلفاء الولايات المتحدة، والتي أظهرت أنها تتجسس عليهم مثلما تتجسس على خصومها.
في البداية حاولت أمريكا نفي التهمة عنها، بتصريح لوزير الدفاع لويد أوستن، بقوله إن عدداً كبيراً من الوثائق قد تم تزويرها. لكن مع تناقض التصريحات الأمريكية، وواقعة إلقاء القبض على الطيار جاك تايكسيريا، فقد بادرت حكومة كوريا الجنوبية– الحليفة للولايات المتحدة– بالإعلان عن أنها سوف تناقش هذه القضية في اجتماع قمة قريباً جداً، مع الولايات المتحدة، خاصة بعدما ظهر من الوثائق عن التجسس على كبار المسؤولين في كوريا الجنوبية. والمعروف أن أمريكا تجمعها في إطار ما يعرف بمجموعة التعاون المخابراتي، علاقات مع عدة دول تضم بريطانيا، واستراليا، ونيوزيلندا، وكندا.
وعلقت على ذلك صحيفة «نيويورك تايمز» بأن هذه الوثائق سوف تعقد علاقات أمريكا بحلفائها. وهو نفس ما ذكره مسؤول كبير بالمخابرات الأمريكية من أننا أمام كابوس لمجموعة التعاون المخابراتي. وقال أيضاً مسؤول كبير بالمخابرات الأمريكية أن ما جرى كان مؤلماً، ويمكن أن يتسبب في تقليص التشاور المعلوماتي مع مخابرات الحلفاء، وهو ما دفع المسؤولين الأمريكيين إلى التعبير عن خشيتهم من الإضرار بالعلاقات الخارجية المهمة للولايات المتحدة.
ومن إجمالي المشاهد التي تجمعت حتى الآن لهذا المشهد؛ فإن مصادر أمريكية راحت تستخلص بعضاً من النتائج الخطيرة لما حدث، ومن بينها الاختراق الخطير لجهود ودور المخابرات المركزية في حرب أوكرانيا. وأيضاً ما نقلته «نيويورك تايمز» عن محللين مختصين بمتابعة تلك الواقعة من أن جزءاً من الوثائق يزود روسيا بمعلومات حساسة، وقيمة عن جداول تسليم الأسلحة لأوكرانيا، ودعم قواتها، وتفاصيل عما قد لا يكون معروفاً عما يجرى في حرب أوكرانيا.
وليس بعيداً عن كل ذلك، التأثيرات على دول العالم، وفي الشرق الأوسط، والتي تجمعها علاقات قوية مع الولايات المتحدة، ثم يتكشف لها أنها تتجسس عليها وعلى قادتها، وفي العمق من علاقات التعاون بينهما.
نقلا عن صحيفة الخليج الإماراتية
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية