نون والقلم

محمود دشيشة يكتب: كارثة تقسيم السودان

لم يكن دخول العراق في حرب دامية ضد إيران ثماني سنوات ثم احتلال الكويت وذبح العراق و احتلاله وتقسيمه بين الشيعة والسنة والأكراد إلا بداية تفتيت دول المنطقة إلى دويلات متناحرة طائفيا أو عرقيا أو حدوديا ثم تم تنفيذ نفس المخططات في ليبيا والتي هي أقرب ما تكون دولتين حاليا وسوريا التي بها كل جيوش العالم واليمن المنقسم لعدة دويلات والآن جاري تقسيم السودان بيد أبنائه وليس على يد إسرائيل مثلا أو أي غزو من الخارج فكيف صنعوا ذلك في السودان؟

لابد أولا من تحديد الدول المشاركة في الصراع الذي تدور أحداثه عسكريا منذ أسبوع واحد فقط ووضح للجميع أنه لا بوادر لتوقف آلة الحرب في السودان فبدأت كل دول العالم الكبري والصغري تجلي رعاياها بسرعة. خاصة أن العاصمة الخرطوم نفسها هي محور الصراع المسلح في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وأن كل مطارات السودان هي هدف لكلا القوتين المتصارعتين.

ويعلم كل الباحثين في الشأن السوداني أن كل القوي تقريبا التي شاركت في تقسيم سوريا موجودة في السودان ويزيد عليها إثيوبيا بالطبع الجارة اللدود للسودان ومصر.

فكل الدلائل والأحداث تؤكد وجود دور قوي داعم لحميدتي منها دولة الإمارات التي سبق لها أن دعمت نظام آبي أحمد في إثيوبيا قبل سقوطه أمام جبهة التيجراي كما أنها تدعم قوات المجلس الانتقالي عسكريا في اليمن وكان لها دورا كبيرا في تسليح المعارضة ضد بشار الأسد في سوريا وهي داعمة أيضا للواء خليفة حفتر في ليبيا.

كما أن قوات الفاجنر لها وجود في السودان في إطار التوسع الروسي في أفريقيا وسبق لهم تعاون مشترك في ليبيا حيث تعاونت قوات الدعم السريع في دعم قوات خليفة حفتر و قوات الفاجنر الروسية في حربهم ضد الميلشيات في طرابلس.

وبالطبع لن تكون أمريكا وإسرائيل بعيدا عن المشهد الدائر هناك لأن نجاح قوات الدعم السريع يعني وجود قواعد بحرية وجوية للروس في السودان ولذلك فهناك تحركات عسكرية وإمدادات أمريكية يتوالى وصولها إلى جيبوتي استعدادا للتدخل أو لدعم أي من طرفي الصراع .

أما عن مصر وإثيوبيا فهما طرفان أصيلان في هذا الصراع، ولكن مصالحهما مختلفتان تماما لأن مصر من مصلحتها أن يظل السودان دولة واحدة لأن هذا الهدف يؤمن لها وجود دولة موحدة في عمقها الإستراتيجي وليس عدة دويلات متناحرة متقاتلة على حدوده ينتشر فيها الميلشيات وجماعات الإرهاب.

بعكس إثيوبيا التي تطمع في كل أراضي السودان الخصبة في الفشقة الكبري والصغري والتي حررها الجيش السوداني منها بمعاونة حليفه الجيش المصري منذ سنوات قليلة وبالطبع فالجيش السوداني كان شوكة في حلق الجيش الإثيوبي وهو الآن مشغول بالحرب ضد قوات الدعم السريع التي كانت جزءا مهما منه منذ أسبوع واحد فقط.

كما أن هذه الحرب ستضمن لها الأجواء الهادئة للإنتهاء السريع العاجل من السد الإثيوبي لأنها تراهن على أن مصر ستكون مشغولة بالحرب الدائرة بين الأشقاء في السودان وستفقد الدور الدبلوماسي السوداني في صراعها ضد إثيوبيا السرطان الذي يعيش على نشر الصراعات في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا .

الحل الوحيد لهذه الحرب المدمرة والتي تفتت السودان هو تدخل كل المؤسسات المدنية السودانية وكل من له تواجد وأتباع على أرض السودان لدعم الجيش الوطني السوداني وإعلان ذلك وبسرعة لأن كل يوم يمر في هذا الصراع يخلق حالة من اللا عودة وحالة من عدم إمكانية تنفيذ الحلول على أرض الواقع وخروج الأمر من يد السودانيين أنفسهم كما حدث من قبل في سوريا التي أصبح القرار فيها لابد أن يمر على روسيا وإيران وتركيا وأمريكا وإسرائيل وهو السيناريو الذي يتم تنفيذه منذ أسبوع مضي في السودان.

فهل ينقذ أبناء السودان وطنهم قبل التقسيم؟ أتمني وأعلم أن ما يمر به أهل السودان هو كابوس لم يكن يمر أبدا على خاطر أي منهم أن يفقدوا أمنهم الذي كانوا ينعمون به وأن يهدد التقسيم وطنهم. ولكن مازال الحل بأيديهم حتى هذه اللحظة ولو تركوا هذه الفرصة فسيضيع السودان ولن يعود للأسف .

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى