كل شيء نحبه، ونرتاح له ونأنس به يمر سريعا، هكذا شهر رمضان الذي ما إن يبدأ، ونتعود عليه ونتأقلم فيه على نمط حياة ومعيشة محددة معينة، وعبادات يومية مكثفة من صيام بالنهار، وقيام بالليل وقراءة القرآن وذكر ودعاء، حتى نجد أنفسنا وفجأة نستعد لتوديع تلك الأيام المعدودات المباركات.
فما بين رؤية هلال الصيام ورؤية هلال العيد نجد أن الوقت والساعات والأيام والليالي من شهر الصيام قد مرت أو تفلتت مننا، دون أن نشعر، ومعها ينتابنا إحساس بالتقصير، قد يكون تقصير معنوي، اي أننا كنا نود فيه مزيدا من الطاعات والعمل الصالح، أو حبا في الاستزادة منه وتمديده لأكثر من أيامه المعدودات.
بالأمس نتحرى الرؤية لنبدأ الصيام، وغدا نتحرى الرؤية لننال الجائزة، وما بين هذا وذاك، فهل فعلا أحسنا ضيافة الشهر الفضيل؟ وهو ضيف خفيف يأتي ويمر سريعا ولكن آثاره تبقى فينا على مدى العام، فهو شهر غير عادي له خصوصيته التي تميزه عن غيره من الشهور.
وهل استفدنا وربحنا؟ أم مر علينا وتفلت منا دون أن ندري.. بعض الناس يمرون بأسواق كلها خير ورزق، ولا يدخلونها فلا يصابون غبارها، ولا هواءها، ولا ينالون منها قطميرا، وكما قال القائل.. إنما رمضان كسوق قام ثم انفض، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر.
يتبقى لنا سويعات فهل نغتنمها؟ ونحسن وداع الشهر الفضيل، فحسن الوداع من أخلاق الاسلام والتي يعطينا الصيام دروسا عظيمة فيها، فإذا كنا قد قصرنا في الاستقبال فكيف لا نحسن الوداع؟
فإن الله إذا استودع شيئا حفظه، فقد روى النسائي وغيرُه من حديث عبد الله بنِ عمرَ قال: «قال رسولُ الله صل الله عليه وسلم: كانَ لقمانُ الحكيم يقولُ إنّ اللهَ إذا استُودِعَ شَيئًا حَفِظَه».
وهذا من آداب التوديع، فعلينا أن نستودع الله ما صمنا وما صلينا، وما دعونا، وما قرأنا من قرآن وما تهجدنا وما تصدقنا وكل ذلك كان منا في رمضان خالصا لوجهه الله الكريم.
فإذا ما استودعنا كان ذلك في صحائفنا محفوظا ليوم.. يقال لك فيه «ما فرطنا في الكتاب من شيء» ولـ «يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا».
فلنستودع الله ديننا وأمانتنا، وخواتم أعمالنا، كما كان يفعل رسول الله صل الله عليه وسلم.
وقد أعجبني في ذلك ما ذكره د. بدر عبد الحميد هميسه في وداع رمضان في أربع نقاط مختصرة، فقال:
أولاً: تودع رمضان بمثل ما استقبلته بالطاعة والإيمان والبر والإحسان.
ثانياً: كما حافظتَ على الصلاةِ بركوعها وسجودها، وخشوعها وخضوعها، وذرفتَ الدمعَ بين يدي ربك، فهلاّ بَقِيْتَ على هذه الحالة بقيةَ عمرك وفي سائر عملك؟!
ثالثاً: كان الصومُ لك جُنَّةً ووقاية، وحِصْناً حَصِيْناً من شياطين الإنس والجن، فهل تَأْمنْ على نفسك بقيةَ العامِ بلا حصنٍ ولا عُدة.
فالصومُ باقٍ بقاءَ العام، فَطِبْ نفساً بِمَوَاسِمِ الصِّيَام، وقاوم الشيطان طوال العام، فلو أخلصت النية في ذلك حفظك الله منه.
رابعاً: قمتَ رمضان إيماناً واحتساباً، وها قد انقضى شهرُ القيام، فلا تَقْصُر عنه سائرَ العام.
فما علينا إذا ودعنا بمثل ما استقبلنا، فحسن الوداع لا يقل أهمية ولا أجرا عن حسن الاستقبال وكم تطيب نفوس بوداع يبقى أثره في الذاكرة الي يوم الحساب، والعكس بالعكس.
وللحديث صلة غدا بمشيئة الله تعالى
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية