إن الله جمع لنا خير السنة كلها في رمضان، وجمع لنا خير رمضان في العشر الأواخر منه، وجمع الخير كله في وترها من هذه العشر، وجمع الخير كله في ليلة من هذه الليالي الوترية، وأمرنا أن نتحراها، ونتلمس بشائرها لعلنا نصادفها أو يكون لنا حظ ونصيب منها، وكيف لا وهي ليلة بألف شهر، في الفضل والعطاء والثواب.
وما علينا إلا أن نجتهد في الوصول اليها، وما أخفيت عنا إلا لأن الله يريدنا أن نواصل التعلق به، والمداومة على العبادة وقراءة القرآن، وقيام رمضان، والحنو على الفقراء والمساكين.
فالهدف إذن هو استمرار التعلق بالله، والسير في طريق الخير والطاعة والعمل الصالح، حتى نبلغ المنتهى، فإذا ما واصلنا طريق الالتزام بنفس مواصفات صيام رسول الله صل الله عليه وسلم، وهو أن تصوم جوارحك عن كل ما نهى الله عنه من قول أو فعل، وأن نخلص النية لله تعالى، وعندها حتما سنصل، وسنصادف ليلة القدر، وسيحقق لك الله كل مرادك الأخروي والدنيوي، على حد سواء.
وعندما تصفو النفس، ويطمئن القلب ويخلو الصدر من الضغينة، والحقد، والحسد والبغضاء والكراهية، ويتطهر اللسان، ويعف عن الغيبة والنميمة، والعين تستخدم فيما خلقت له، والأذن لما خصصت له، فعندها ستصادف ليلة القدر.
عندما تشعر بالفقراء والمحتاجين، وتحمل لهم الطعام والشراب، وتعطى المحروم، وتتحسس أماكن المتعففين الذين لا يسألون الناس حياء وإلحافا، وتبحث عمن يستحق الصدقة وتعطيها له، على أن تكون من أفضل وأغلى ما تحب، وأن تتصدق بها فلا تعلم يمينك ما أنفقت يسارك، ولا يسارك ما أنفقت يمينك، وليس بتصوير كاميرات وعرض علي شاشات تلفاز، أو تقرير رسمي للرؤساء، فحتما عندها ستأتيك ليلة القدر راغمة.
عندما يسلم الناس من إيذاءك، ومن سلاطة لسانك، ولا تتعطل مصالحهم بحجة إنك صائم، وتساعد الضعيف وتنصف المظلوم، وتعيد إليه حقه خالصا لوجه الله الكريم لا لأن يقال عنك أنك رجل مجتمع، فستكون عندها من المحظوظين وأصحاب النصيب الموافقين لليلة القدر.
فليس موافقة ليلة القدر بأن تمكث في المسجد طوال الليالي الوترية أو حتى البقاء العشر كلها في المسجد تتقلب فيه بين صلاة وقراءة قرآن معتكفا عن الدنيا كلها، بل ستوافق ليلة القدر إذا أعدت لأختك التي ظلمتها حقها، وتعطيها ميراثها الذي حدده لها الله المشرع، وحرمتها انت منه، جاعلا من نفسك مشرعا تشارك الله في شئون ملكه، فلست انت أو مجتمعك مشرعون، أو إذا كففت عن إيذاء جارك في البيت أو الزرع، أو حتى في الطريق العام، فعندما تفعل ملتزما طاعة واحتسابا، عندها ستكون من أوائل الذين يكتبون في قائمة ليلة القدر.
تحسس قلبك أيها الباحث عن ليلة القدر فهي ليست نسك بجسدك فقط، وقلبك ليس فيه من ذلك شيئا فما فائدة أن تقوم وتقعد مئات الركعات بحركات جسدية وقلبك كله مشبع بالحرام، وتغذي أولادك بالحرام، وتكسوهم بالحرام؟، فهل بهذا ستصادف ليلة القدر؟، أرجوك راجع نفسك لأن القائمة التي تحرمك من ليلة القدر طويلة!!! واعرض نفسك عليها فأنت أفضل إنسان يستطيع قياس مدى موافقة نفسه لأمور دينه ظاهرا وباطنا.
وللحديث صلة غدا بمشيئة الله تعالى
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية