الدروس المستفادة من شهر الصيام كثيرة وعظيمة، وما شرع الصوم إلا لغاية سامية يريدها الله للعبد الصائم، وأولها هو الوصول إلى درجة التقوى، وفي سبيل ذلك هناك دروس وعبر وعظات نتعلمها من رمضان المعظم.
ومن هذه الدروس كيفية الاستغناء، والترك وهما من الفضائل الأخلاقية العظيمة التي تهذب النفوس، وتسمو بالأرواح إلى درجة النقاء وبما يدخل الطمأنينة في القلب والرضا بالعبودية لرب العباد، وهنا يكتمل ايمان المؤمن.
الاستغناء ميزة عظيمة يتميز بها أصحاب الإرادة والعزيمة وقوة الشخصية، وهذا ما يعمل الصوم عليه خلال الشهر الفضيل، فيستغنى الصائم عن ما أحله الله له، من نعم وملذات وأطايب الطعام والشراب في نهار رمضان، ولكي تستطيع كبح جماح شهوتك بأنواعها وأشكالها المختلفة فإن ذلك يتطلب قوة كبيرة وقلبا مملوء بالإيمان وطاعة لله برضا وحب، فهذه فلسفة الطاعة لله فقد كتب علينا الصيام ومنعنا من تناول حلاله وهو في متناولنا، والحلال المادي الممنوعين منه كثير، كما أن هناك أشياء أخرى نمنع أنفسنا عنها احتراما لصومنا ولمن نصوم له.
نستغنى عما أحل الله لنا، فكيف لا نستغني عما حرم الله علينا، فالكذب حرام في رمضان وغير رمضان ولكننا في رمضان الزم وأكثر حرصا على ألا نكذب، والنفاق والرياء كلاهما ممقوت ومحرم ومذموم، في كل وقت وحين، وهو في رمضان أشد مقتا وكرها، فنستغنى عنه ونبتعد عن المواقف التي تقربنا منه. والغيبة والنميمة من الأفعال المحرمة تحريما قطعيا، وفي الشهر الفضيل أولى بتركه والابتعاد عنه، ونبتعد عن ممارسة هذه الآفات الضارة التي تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وننشغل عنها بذكر أو قراءة قرآن أو صلاة تراويح وتهجد.
ومما نتعلم تركه في رمضان، المشاحنات، والمباغضات والكبر، والاستعلاء، فكلنا صائمون، لا يختلف أحد عن الآخر في شيء.
وفي الصيام أيضا نتعلم الالتزام بدقة فلا يمكن بعد نداء «الله أكبر» فجرا أن نتناول شيئا أبدا، وقبل آذان المغرب بلحظات لا يمكننا أن نتجاوز ونتناول اي مفطر من شراب أو طعام وخلافه، وهنا درس عظيم تعلمنا منه الانضباط، والالتزام بشكل لامثيل له.
وحقيقة لقد استمعت في مطلع شهر رمضان وتحديدا في الفجر الأول من شهر الصيام لكلمة موجزة ولكنها جامعة لفضيلة الإمام الأكبر الاستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر قال فيها أن مشقة الصوم تنبع من فلسفة الترك والترفع والاستغناء التي تدور عليها أبعاد هذه الفريضة من الامتناع عن لذائذ النفس وشهواتها، ثم من ابتعادها عن رزيلة الرياء والمتعة التي قد يشعر بها المتعبد بالفرائض الأخرى والتي للنفس وحظوظها منها نصيب يقل أو يكثر، وفي الصوم تشبه بصفة من صفات الله تعالى قدر ما تطيقه الطبيعة البشرية وهي الاستغناء عن الطعام والشراب، فالصائم بهذا الاستغناء كأنه يعبد ربه بصفة من صفاته تعالى، وما انفرد به الصوم عن سائر أركان الإسلام أنه لم يقع عبادة لغير الله، فلم يعرف في تاريخ الكفر والكفار أنهم عظموا أصنامهم بالصيام كما عظموها بالصلاة والزكاة والحج.
لذلك ولخصائص أخرى كثيرة اختص الله الصوم بانتسابه إليه قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به.
فكيف نستغني عما أحل الله لنا ولا نستغني ونفطر عن المحرمات؟ فلنستقم كما أمرنا ليتوب الله علينا وننضم تحت لواء الصائمين عند باب الريان.
وللحديث صلة غدا بمشيئة الله تعالى
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية