في رمضان يصفد الله الشياطين والمردة، ويفتح أبواب السماء، جعل فيه ساعة لو وافقها الصائم القائم أغنته وكفته، شهر تملؤه الرحمة والمغفرة، كله روحانيات وفيوضات ربانية، خير كله نور يكلؤه، وكيف لا وفيه ليلة هي خير من الف شهر، ذلكم الشهر العظيم الذي أنزل الله فيه القرآن الكريم، ويغلق الله سبحانه فيه أبواب النار، وأبواب الشر، ومكامن السوء، فهو يريد أن يبث في قلوبنا السكينة والطمأنينة، وأن يرقى بنا روحا ونفوسا، ويطهر قلوبنا من كل رجس ووثن وعفن، فرض علينا الصيام لتزكية هذه النفوس وتطهيرها، وقراءة القران، واللذان خصهما الله دون غيرهما بفضيلة الشفاعة لصاحبهما يوم القيامة، فهو سبحانه يريد أن يقول لك أيها الصائم لا تقلق فأنت في رحاب الله وملكوته، أنت في حضرة من لا يغفل ولا ينام، انت في معية من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه، جبار القلوب ومقيمها ومصلحها من انكسارات الدنيا.
ذلك كله للإنسان المؤمن الصائم، القائم بما أمر الله في الشهر الفضيل، فهو يناجيك باستمرار، ويفتح لك أبوابه، ويسبغ عليك من نعمه وفضله، ويتيح لك المجال بعد المجال، ويؤكد لك على المحاولة ما استطعت إلى ذلك سبيلا، فقط حاول وأخلص في النية لله، وكن متوكلا عليه، متعبدا له، لا يشغلك عنه شاغل، ولا تأخذك منه دنيا، ولا تبعدك عنه وساوس النفس والهوى، صاحب الصالحين وجالسهم، وكن منهم، اجعل القرآن رفيقك، والذكر والدعاء كلامك، والتهجد ليلا فرصتك للاختلاء بربك.
الله سبحانه ما خصص ذلك كله لك الا لأنه يريدك، ولا يريد أن ينتزعك منه أحد، فهو هداك النجدين، ويسر لك طريق الخير والبر والعمل الصالح الذي فيه صلاح الروح والجسد، ويؤكد ذلك بوضوح في قوله تعالي «وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ» النساء- آية (27)، ويريد بنا دائما اليسر ولا يحب لنا العسر ، يحب منا حسن الكلام والقول والفعل ويبغض فحش القول، وسوء المنطق والكلام «لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم».
فشهر رمضان الذي جعله فرصة للمسلم الصائم، تفضل الله علينا فيه بنعم كثيرة، جعلها مهرجانا للحسنات والطاعات، فقد اختصه بأن جعل النافلة بفريضة والفرض بسبعين فيما سواه كما جاء في الحديث الذي رواه ابن خزيمة «أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى فيه سبعين فريضة فيما سواه».
كل هذا الخير للمسلم في الشهر الفضيل لأنه يريد أن يستأثر به لنفسه لعبادته، وللارتقاء به، وابعاده عن النار، ومما يعجب له أن يفعل الله لك كل ذلك، وتذهب انت بنفسك الي مسالك الشيطان الذي صفده الله من أجلك وانت تفك تصفيده ليغويك وإن تعدد شكل الشيطان وتنوع شكلا ومضمونا، فمرة يأتيك علي شكل فيلم سينمائي، أو مسلسل تلفزيوني أو مسرحية ماجنة، أو سهرة كروية رياضية ترفيهية، وهلم جرا، وكلها تأخذك إلى مستنقعات اللهو والبعد عن الله، ولقد صور الله لنا هذا المشهد منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، في الآية 27 من سورة النساء «وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا» فانظر إلى من ستتجه، وعلى من ستقبل، إلى من يريد بنا الخير والسعادة الأبدية أم إلى اللذة الوقتية التي يعقبها الحسرة والندامة.
لن يفيدك متابعة نيفر إند ولن يضيف إليك مشاهدة بلطجي يريد أن يخرب السلام الاجتماعي لأمة مسلمة عربية لها دينها وتحكمها أحكام القرآن ولن يضيف إليك أن تسمع شتائم والفاظا نابية من ممثل لم يجد من يرعاه أو يربيه، بل وجد من يتيح له الشاشات ليفسد على المجتمع وقته ودينه، ويبطل له صومه ويلهيه عن الصلاة، ويشغله عن قراءة القرآن الكريم.
صفد الله الشياطين الجن، وتركنا لأنفسنا فاستبدلناها بشياطين الأنس وتفننت المنظمات والدول والشرق والغرب في كيف يخرجونك من هذه الروحانيات؟
فهل تضعف أمامهم وتجعلهم ينجحون وتفشل أنت في المحافظة على دينك؟ نحن هنا القابض على دينة كالقابض على جمر.
وللحديث صلة غدا بمشيئة الله تعالى
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية