ساد بين الناس عُرف، تصالحوا عليه فيما بينهم، أن شهر رمضان هو فرصة للراحة والكسل والنوم، فأغلب الناس يستيقظون قبيل صلاة المغرب، وعلى أحسن حال قبيل آذان العصر حتى يدركوا الفروض، وهؤلاء هم أفضل هذه الفئة، بينما آخرون يرتبون حياتهم على برامج معينة تعتمد كلها أساليب الراحة والدعة في كل الأحوال، متناسيه أن شهر رمضان يحث مبدئيا على العمل الجاد والاجتهاد مثله مثل أي شهر في العام، فلا فرق في العمل بين رمضان ورجب أو شوال وذي القعدة.
فلقد حوَّل المسلمون هذا الشهر من شهر عمل وجهاد وكفاح ونضال، إلى شهر كسل وتراخٍ بالسهر ليلا أما مُلهيات تخرجهم من روح الشهر الفضيل، وينامون النهار، ولو أنهم صاموا حق الصيام، وتحرَّوا الوصول إلى مقاصد الصيام العظيمة لتحقق للأمة في هذا الشهر من الكفاية الإنتاجية ما يكفيها باقي السنة.
ولا غرو في أن نركن للراحة كلما تسنى لنا ذلك ولكن أن يكون ذلك هو المنهج، ويضيع الشهر بهذه الطريقة ما بين نوم وأكل وترفيه وتسالي، فهذا هو ما يرفضه الإسلام بشكل بات، وأيضا هو مما يضيع الثواب العميم الذي ننتظره من العام إلى العام، خصوصا وأن رمضان فرصة للتزود بالصالحات والحسنات، فهو البنك الذي يفتح شباكه للإيداع في الرصيد، وكيف لا وهو الذي فيه النافلة تعدل فرائض في غيره فما بالك بأداء الفريضة.
كان رسول الله صل الله عليه وسلم لايركن إلى راحة وهو صائم فكما وردت إلينا أخباره أنه كان يخرج إلى الفيافي لأداء عمله والسعي على عيشه، ورزقه، وأيضا المثال الحي للعمل الجاد والدؤوب وهو صائم أن له صل الله عليه وسلم عديد الغزوات خلال رمضان، وكذلك الصحابة من بعده، وحقق المسلمون فيها نصرا مظفرا، ولدينا شاهد حي على ذلك عاشه البعض أو تعايشه أغلبنا، وهي حرب العاشر من رمضان ضد الاحتلال الصهيوني في 1393هجرية 1973 م ليست بعيدة عن أذهاننا.
وسأستعرض معكم بعضا من هذه المعارك خصوصا وأننا اليوم الثامن من رمضان المعظم تمر علينا ذكرى فتح مكة، ونأمل أن تتاح لنا الفرصة لاستعراض الغزوات الاسلامية كلها في وقت ما، وكما ذكر الدكتور بدر عبد الحميد هميسة وكافة المراجع الإسلامية وكتب التاريخ، فإن أولى الغزوات هي:
بدر الكبرى 2هـ
في العام الثاني من الهجرة، وفي شهر رمضان المبارك وقعت معركة هي من أهم المعارك الإسلامية، كيف لا وهي المعركة الأولى التي فصل الله فيها بين الحق والباطل، فكانت كلمة الله هي العليا وكلمة الباطل السفلى؟! كيف لا وهي أولى معارك الدولة الإسلامية؟
فتح مكة 8هـ
في رمضان في السنة الثامنة للهجرة، كان الفتح الأعظم، فتح مكة المكرمة، وتطهيرها من الرجس والأوثان والمشركين، وعلت كلمة الحق في حَرَم الله، وعاد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو وصحبه بعد ثماني سنوات في المدينة.
موقعة البويب 13هـ
وفي شهر رمضان من العام الثالث عشر في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كانت موقعة «البويب» على ضفاف نهر الفرات، بوصية من أبي بكر الصديق رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قائد المسلمين المثنى بن حارثة، وانتصر المسلمون على الفرس، وارتفع فيها لواء الإسلام
فتح الأندلس 29هـ
وفي رمضان عام 92هـ ، فُتحت الأندلس على يد طارق بن زياد، بعد أن انتصر المسلمون على جيوش القوط بقيادة روزريق، و كان يوما من أيام الله المباركة، و سيطر فيها طارق على الجبل الذي سُمي باسمه
فتح عمورية 223هـ
كما وفي الشهر الكريم من عام 223هـ كان فتح عمورية، إحدى أقوى وأمتن الحصون الرومية آنذاك، كانت الجحافل الإسلامية في هذا الفتح تحت قيادة الخليفة العباسي المعتصم بالله، و سبب هذا الفتح العظيم أن الروم أغاروا على المسلمين، وأسروا منهم أعدادا كبيرة، ووصل إلى المعتصم خبر استنجاد امرأة مسلمة به، بقولها
«وامعتصماه» ولم يكد يسمع هذه الاستغاثة حتى جهز جيشا جرّارا، وأعده بعدة وعتادا لم يُسمع له مثيل من قبل على مَرّ التاريخ، وسار على رأس الجيش إلى عَمّورية مُلبّيا النداء، وهزم الروم وفتح عمّورية
عين جالوت 658هـ
وفي رمضان عام 658هـ دارت رحى معركة عين جالوت على أرض السري فلسطين الحبيبة، وكانت هذه المعركة بين المسلمين المماليك بقيادة القائد المملوكي الفذ المظفر قطز، وبين المغول الهمجيين، الذين عاثوا فسادا في أرض المسلمين، وزرعوا الخوف والرعب في نفوسهم، وكان النصر حليف المسلمين، وكسر القائد مظفر قطز حاجز الخوف وأباد الجيش المغولي، وهزمه شر هزيمة.
فتح أنطاكية 666هـ
وفي شهر رمضان من العام 666هـ كان فتح إمارة أنطاكية، عاصمة الصليبيين في بلاد الشام، وكان قائد المسلمين في هذا الفتح العظيم السلطان الظاهر بيبرس، الذي كُتب على يديه هزيمة الصليبيين والمغول من قبلهم، ورفعة الإسلام والمسلمين
معركة شقحب 702هـ
وفي العام 702هـ في الشهر المبارك أيضا، كانت معركة شقحب، على مشارف مدينة دمشق (سوريا)، بين المسلمين بتحريض من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وبين المغول، بعد أن استباحوا ديار المسلمين مرة أخرى. وأقسم شيخ الإسلام على الله أن يكون النصر للمسلمين، ثم أمر المسلمين بالإفطار ليَتَقَوَّوا على عدوّهم، وفعلا أبرّ الله بقسم ذلك العالم العابد المجاهد، ونُصر جند الحق وخُذل المَغول، فتحقق نصر آخر للمسلمين في هذا الشهر الكريم
العاشر من رمضان 1393هـ
في رمضان عام 1393هـ السادس من أكتوبر 1973م، التقى المسلمون المصريون والعرب مع اليهود الخونة قتلة الأنبياء والأبرياء. وعلى أرض سيناء، هَزم المصريون اليهود واستردوا شبه جزيرة سيناء، بعد أن بقيت تحت وطأة الاحتلال والاغتصاب الصهيوني بضع سنوات.
ومن هنا نتأكد أن المسلم الحقيقي عندما يفهم أن شهر رمضان شهر جهاد وعمل لا شهر نوم وخمول وكسل، وأنه لا تعارض بين العبادة والتهجد لله رب العالمين وبين الجهاد لتحقيق معاني الاستخلاف على هذه الأرض.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية