ربما لن تجد خلقا الصق بالصيام وألزم له من الرحمة، فالصوم في أغلب أموره، وفي ظاهره وباطنه مغلف بالرحمة، والرحمة خلق رفيع سمى الله به نفسه في كل اوجهه، فهو سبحانه الرحمن الرحيم.
والصائم رحمان بنفسه رحيم بغيره، رؤوف بالناس في الشهر الفضيل، ولا يتوانى عن مساعدة الآخرين، أيا كان نوع المساعدة مادية كانت أو معنوية، وهذا ما حثّ الله -تعالى- عباده عليه من التراحُم فيما بينهم؛ لعدّة أسبابٍ؛ فالله -سبحانه- رحيمٌ يحبّ الرُّحماء من عباده، ولذلك فالرحمة مطلوبةٌ من المسلم تِجاه أخيه المسلم،
ولما أصبحنا في زمن كثرت فيه مسالك الشياطين، وحصل ضيق عيش على كل الناس، فقست القلوب على بعضها البعض، وسادت الغلظة بين البشر، فلم يعد للسماحة والبشاشة ذلك المكان اللائق بيننا، ومن هنا كان الصيام من أسباب استشعار المسلم حاجة أخيه المسلم، فتزداد الرحمة في قلبه، فيرحم غيره، ويشفق على أحوالهم، ويشاركهم همومهم وآلامهم.
ومن مظاهر تراحم العباد ببعضهم البعض في شهر رمضان رحمة الغني بالفقراء والمساكين؛ بأن يستشعر أحوالهم، ويقدّم لهم يد المساعدة بما يُيسّر عليهم عيشهم، ويُعينهم على حياتهم، وتُعدّ الصدقة في رمضان من أعظم أبواب الأجر؛ لما فيها من إعانة الصائمين الفقراء على قضاء حوائجهم؛ فجزاء من أحسن بالبذل أن يحسن الله إليه بالفضل والعطاء.
وهذه الرحمة مطلب عام ومن كل الناس على السواء، فهي مطلوبة من الحاكم والمسؤول تجاه الشعوب، كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (اللَّهُمَّ، مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَشَقَّ عليهم، فأشقق عليه، وَمَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَرَفَقَ بهِمْ، فَارْفُقْ بهِ)، وقال الله -سبحانه- مادحاً نبيّه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).
وتضعف الرَّحمة في قلوب العباد بسبب الذنوب، والخطايا؛ فالقلب يكتسي بالرّان بزيادة ذنوبه، فتزيد قسوة القلوب، قال الله تعالى: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، ومن أسباب قسوة القلب أيضاً المُسارعة في تلبية الرغبات الشهوات.
كما أن رحمة الدُّعاة إلى الله بالمَدعُوّين؛ فالدَّعوة إلى الله لا بدّ أن تكون بكلّ رحمةٍ وشفقةٍ، ورحمة الإمام بمأموميه، فلا يشقّ عليهم؛ بإطالة القراءة، أو السجود، أو الركوع، وإنّما يتوجّب عليه الرفق بهم، ومراعاة أحوال المُصلّين المختلفة، فقد أخرج الإمام مسلم عن عثمان بن أبي العاص أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَن أمَّ قَوْمًا فَلْيُخَفِّفْ، فإنَّ فِيهِمُ الكَبِيرَ، وإنَّ فِيهِمُ المَرِيضَ، وإنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وإنَّ فيهم ذا الحاجَةِ، وإذا صَلَّى أحَدُكُمْ وحْدَهُ، فَلْيُصَلِّ كيفَ شاءَ).
واختم بأنه من رحمة الله بعباده أنه لم يأمرهم بصيام الدهر كله، بل كلفهم ببعض الأيام المعدودات؛ فقال تعالى: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ وذلك رحمة بهم ولعلمه بضعفهم.
وللحديث صلة غدا بمشيئة الله تعالى
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية