في تقديري الشخصي وبحكم خبرتي بأبناء الإمارات فإنهم لا يقلون وعيا وغيرة على دينهم من المصريين، وكذلك قادتهم من شيوخ ومسئولي الإمارات، وأن ما يحدث في غفلة من الزمن أو ساعة زيغ لن يستمر طويلا ولا كثيرا، وأن أي خطأ وقع وهو أمر وارد يمكن تصحيحه، في الوقت المناسب، وكم من قرار تم اتخاذه في كلا البلدين وتم تصويبه عندما يعود صاحب القرار إلى رشده، بهدف صالح الوطن والمواطن، خصوصا وصالح أمة الإسلام بشكل عام.
هذه المقدمة الاستهلالية الطويلة ليست عبثا وإنما هي للتحدث عن احتضان الإمارات لمجمع الديانة الإبراهيمية الذي أصبح حديث العالم، وحظيت برفض كل العلماء والمفكرين والسياسيين والمخلصين في طول الوطن وعرضه، وأجمعوا على خطورة هذه الدعاوى «الإبراهيمية» على الأمتين الإسلامية والعربية في شتى المجالات وليس دينيا فحسب.
وهنا استعرض معكم مسيرة وتاريخ إنشاء الجامع الأزهر الشريف الذي يُعد الآن أهم الجوامع التعليمية الإسلامية على وجه الأرض، فيقصده كل راغب في تعلم الدين الإسلامي الوسطي المعتدل، ودخل الأزهر كل بيت مسلم حول العالم، وأصبح هذا هو الهدف الذي تم تعديل المسار من أجله من بعد الحقبة الفاطمية، ومجيء صلاح الدين الأيوبي، فقد بناه جوهر الصقلي بعدما فتح مصر سنة 969م، وشرع في تأسيس القاهرة، وقام بإنشاء القصر الكبير وأعده لنزول الخليفة المعز لدين الله، وفي أثناء ذلك بدأ في إنشاء الجامع الأزهر ليصلي فيه الخليفة، وليكون مسجداً جامعاً للمدينة حديثة النشأة أسوة بجامع عمرو بن العاص في الفسطاط وجامع ابن طولون في القطائع.
وأُعد وقتها ليكون معهداً تعليمياً لتعليم المذهب الشيعي ونشره، فبدأ في بناؤه في جمادي الأول 359هـ/970م، وأتم بناءه وأقيمت أول جمعة فيه في رمضان سنة 361هـ /972م، وسموه بالأزهر تيمناً بفاطمة الزهراء ابنة النبي صل الله عليه وسلم.
وألقي أول درس فيه في صفر سنة 365هـ/975م على يد علي بن النعمان القاضي في فقه الشيعة، وفي سنة 378هـ/988م قررت الدولة الفاطمية مرتبات لفقهاء الجامع وأعدت داراً لسكناهم بجواره وكان عددهم خمسة وثلاثين رجلاً
ولكن حدث مالم يكن يتوقعه أحد وبعد سقوط الدولة الفاطمية أفل نجم الأزهر على يد صلاح الدين الأيوبي الذي كان يهدف من وراء ذلك إلى محاربة المذهب الشيعي ومؤازرة المذهب السني، فأبطلت الخطبة فيه وظلت معطلة 100 عام إلى أن أعيدت في عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس البندقداري.
وفي عهد الدولة المملوكية عاد الأزهر ليؤدي رسالته العلمية ودوره الحيوي، فعين به فقهاء لتدريس المذهب السني والأحاديث النبوية، وعُدت تلك الفترة العصر الذهبي للأزهر، حيث أظهر الحكام والأعيان في العصور التالية اهتماماً كبيرا بالجامع وبتجديده وتوسعته وصيانته، وأوقفت عليه أوقافاً كثيرة.
ومنذ ذلك التاريخ وبين شد وجذب، وصعود وهبوط استمر الأزهر في أداء الدور المنوط به على مختلف الأصعدة، وملأ نوره الكرة الأرضية، وتعاقب على قيادته مشايخ علماء أجلاء أثروا الساحة الإسلامية والفكرية والعلمية وكذلك في تأجيج المشاعر الوطنية ضد الغزاة المحتلين فلا أتذكر فيما قرأت أن حركة وطنية تحركت من الأزهر إلا وكُتب لها النجاح وتحقيق الأهداف.
ويراودني أمل في أن نرى تجربة الأزهر تتكرر على أرض الإمارات، ولما لا نرى أزهرا جديدا إما بالاسم والمعنى أو على أقل تقدير في الأهداف والغايات، وفي البرنامج التعليمي والإسلامي، وليكون منارة إسلامية جديدة على حدود الشرق الإسلامي لمجابهة الخطر الفارسي الطائفي والفكري القادم من جهتهم.
وهذا المجمع مؤهل هندسيا ومباني وموقع للقيام بدور إسلامي مهم إقليما ودوليا، وليكون حائط صد جديد يتسلح به المسلمون لمواجهة الهجمات التي لا تتوقف ضد الإسلام، والتي تأتي من كل حدب وصوب وفي كل زمان، ومن كل المواقع والأشكال وأصحاب الأفكار العدوانية الهدامة.
وحتى حدوث ذلك فإننا نأمل أن يتحجم دور هذا المجمع الذي يعتبر ثغرة سيئة السمعة في منطقتنا العربية والإسلامية.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية