استكمالا لما بدأناه أول أيام الشهر الفضيل، وتحقيقا لما وعدنا به بأننا نواصل سلسلة «أخلاقنا»، أثر العبادات على أخلاق الإنسان المسلم.
إن هدف أي عبادة هو بالدرجة الأولى الارتقاء بأخلاق وسلوك الإنسان عموما والمسلم على وجه الخصوص، لتتسم بالسماحة والحبور.
فما شرع الله عبادة إلا وقد جعل لها مقصد وغاية، وأبرز المقاصد هو السمو بأخلاق وسلوك المسلم ليكون نموذجا للعبد الرباني المتأسي بسيد الخلق «صل الله عليه وسلم»، وهو ما يتضح من كل الفرائض التي افترضها الله على عباده من كل الشرائع السماوية.
ويأتي الصيام على رأس العبادات التي تترك أثرا كبيرا في حياة المسلم، فهي عبادة تعلم المسلم الصدق، ولا شيء غيره فما حاجة المسلم للكذب على الله المطلع على السرائر كلها ولا يمكن للإنسان المسلم إلا أن يكون صادقا مع الله.
كما أنه أي الصيام يُعلم المسلم الإخلاص.. فكيف لمسلم أن يمتنع عن شهوات الدنيا بمختلف أشكالها وأنواعها – البطن والفرج واللسان – ولا يكون مخلصا في هذه العبادة لله تعالي اعتقد أنه لا يوجد عاقل يحرم نفسه من ملذات يتمتع ويستمتع بها إلا أن ما منعه أعظم بكثير من استمتاعه ومن هنا كان الإخلاص ضروريا للفوز بجزاء الله له على صومه إيمانا واحتسابا لله.
وأيضا يعلمنا الصيام الصبر.. فمن يصبر على الحرمان من الأكل والشرب وشهوة الجنس، وعلى أذى البشر وتحمل الشتم والسب والمضايقات وغير ذلك فإنه بذلك قد استفاد من صومه وصبر على الإيذاء.
فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صل الله عليه وسلم- قال: «الصيام جُنة، فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشرة».
ففي هذا الحديث مجامع الخير كله للإنسان المسلم إذا ما التزم قواعده وشروطه ومتطلباته كلها، فالصيام جنة أي وقاية لنا من الشرور والآثام ووقاية لنا من النار وعذاب القبر ومن شدة الإلام يوم القيام فالواقي هو الله وإذا كانت منه الوقاية فنثق تمام الثقة أننا في حمايته وحرزه، ولا يمكن أن يصيبنا مكروه، فعلى قدر ثقاتنا به تكون وقايته لنا.
ورحم الله الإمام الغزالي الذي قال: «الصوم ثلاثة أقسام: صوم العامة وهو الكف عن الشهوة وعن الطعام والشراب فقط، ولا اجتناب فيه عن المعاصي. والثاني هو صوم الصالحين، وفيه اجتناب عن المعاصي والذنوب. والثالث هو صوم خاصة الخاصة. ورد في الحديث الشريف: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». وقال صلى الله عليه وسلم: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر».
كما أن الصوم فيه تزكية للنفس وتطهيرا وتنقية لها من الرذائل، لأنه يضيق مجاري الشيطان في الإنسان، كما أن في الصوم باعث على العطف على المساكين. «موضوع الغد إن شاء الله تعالى.
وللحديث صلة في الغد إن شاء الله
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية