عندما شرع الله الصدقة كان أصلها السر والكتمان حتى لا ترى شمالك ما أنفقت يمينك فأكتمل البنيان وتحقق التكافل الاجتماعي في أبهى صوره، وباتت الأسر المتعففة في سعادة وستر من الله.. أما أولئك المتصدقون والمتسابقون في رضى الرحمن فقد أنفقوا وبذلوا في العطاء تحت ساتر الخفاء دون إعلان، وقد وكل الله الملائكة لتدون صدقاتهم نيابة عنهم.
أقول ذلك بمناسبة بدء مارثون الشو الرمضاني وتسابق البعض بالصدقات المعلنة بشتى الصور، معلنين أنهم رجال البر والتقوى وزينوا صدقاتهم تحت أضواء الكاميرات والإعلانات بـ c.v بخطوط كبيرة وواضحة أن التبرع من فلان الفلاني وعلان العلاني صاحب شركات كذا، أو حامل للمنصب الفخم في صورة واضحة لاستكمال البرواز، طالبين للدنيا الفانية وحتى يسبح الفقراء بحمدهم ويهللون بأياديهم البيضاء في تلك الأيام حالكة السواد.
قال تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ البقرة:271.
وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. وذكر منهم: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
وبهذا استدل كثير من العلماء على تفضيل صدقة السر على صدقة العلانية، وذكروا أن إخفاءها أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن الرياء، وأقل إحراجا للفقراء.
الصّدقات والإنفاق في وجوه الخير مشروع سرًا وعلانيةً، فإذا كانت العلانية أصلح شرعت، وإذا لم تكن هناك حاجة للعلانية فالسرّ أفضل؛ لأنَّه أقرب إلى الإخلاص وأكمل، وأنسب للمُعْطَى، فإنَّ المعطى قد يكره العلانية، لكن إذا كانت هناك مصلحة في العلانية شُرعت العلانية؛ كأن يدعو إلى إنشاء مشروع خيري، أو يجتمع الناس على مشروع خيري فيطلبون من إخوانهم المساهمة في ذلك علنًا حتى يتعاونوا ويتتابعوا في الخير.
صدقات «الشو الإعلامي» ظاهرة مصرية خالصة يُجيدها ضعاف النفوس ليس بهدف التجارة مع الله ولكن هدفها الزهو بالنفس والتعالي بالمال والمن على البطون الجائعة والمحتاجة.. وفي المقابل هناك أهل بر وتقوى ومحسنون لا يعرفهم أحد وينفقون ببذخ طوال العام دون انقطاع وتصل تبرعاتهم للمستحقين والأسر المتعففة، متبرعين لصاحبها الذي لا يعرفونه ولا يعرفهم شاكرين الله الذي ساق لهم الرزق الحلال وكفاهم شدة الحاجة وعوز الأيام.
أما المحسن المجهول الذي تاجر مع الله فإنه يحمد المولى عز وجل الذي أستأمنه على تلك الرسالة السامية فإنه يعمل تحت شعار «المال مال الله» وستر بيوت المحتاجين أمر عظيم عند مالك السموات والأرض.
أفيقوا يرحمكم الله من غفوتكم.. نعم فعل الخير أحب الأعمال إلى الله، لكن احذروا أن يزين لكم الشيطان جميل صنعكم فيتحول إلى عطاء مزموم يفرح به الشيطان ويُرضي غروركم، فالفرق بين العلانية والتباهي والخفاء في الصدقات كالفارق بين الأرض المثمرة والأرض البور.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية