مع الأسف لا يزال بعض غير المؤهلين، يستغلون خطبة الجمعة في نشر أفكارهم الظلامية الجوفاء، في يوم جمعة الإسراء والمعراج، ذهبت لأداء الصلاة بمسجد «اللبودي» في حي العمرانية الشرقية محافظة الجيزة، منتظراً ما يخاطب العقل في هذه المناسبة الدينية المهمة، فكانت المأساة خطبة «أكلشيهية» جوفاء من أحد هؤلاء الذين يحتلون المنابر بعيدة السيطرة عن وزارة الأوقاف حول الموت وعذاب القبر، وكيف أن القبر مظلم لا توجد به أنوار أو مقاهي وشاشات تذيع المباريات!!!
45 دقيقة متواصلة من الصراخ، الندب، والنواح، والعويل من السيد الذي من المفترض أنه خطيب، فكيف يتأتى لنا أن نفهم حكمة الهية، أو ندرك معاني قرآنية، أو نستوعب قيمة أخلاقية وسط هذا الكم من الصراخ والضجيج؟!!
من يراجع هؤلاء؟؟، ومن يقر بأهليتهم للخطابة؟؟، ومن يفتش على تلك المساجد، وهل الاهتمام ينصب فقط على المساجد الكبيرة الجامعة؟؟ ونترك تلك المساجد والزاويا المنتشرة في الشوارع والأحياء مرة أخرى لتلك التيارات المتطرفة. ثم هل هذه هي الخُطب الموحدة التي أقرتها وزارة الأوقاف؟!!، أشك في ذلك.
خُطبة الجمعة هي الاتصال المباشر مع عقول ووجدان كل مسلم حريص على إقامة شعائر دينه، وهي مثلها مثل أي نشاط إنساني معرفي، وأداء خطباء المساجد مثلهم مثل كل عناصر العمل والنشاط الدعوي يحتاجان إلى تطوير وتحديث وتجديد. على نحو يماثل التطور الواقع مجتمعياً، وحفاظاً على سلامة عقول وعقيدة أبناؤنا.
فولتير أشهر فلاسفة التنوير يذهب في كتابه الشهير (مقالة في التسامح) سنة (1776م)، إلى أن التعصب عدو العقل وطارد له، وأراد الاستفادة من أجواء الغلو والتعصب لإشاعة أنوار العقل، وتأكيد الحاجة إلى العقل بوصفه منبعا للتسامح وسياجا حاميا له. حيث رأى فولتير أن التعصب هو مرض ذهني ومواجهته بفاعلية العقل أفضل من استعمال القوة، وحسب رأيه إن العقل معتدل وإنساني ويدعو إلى الرحمة.
الآن في 2023؛ هذا هو زمن العقل، وهذه الخطب «الأكليشيهية» لا تغني ولا تسمن من جوع، لا تشبع روح، أو تنقح فكر، أو تدعم ثوابت عقيدة، التنوير دائماً ما كان ضد مصادرة العقل والحريات، هذه الخطب تلغي العقل وتشوه الدين.
فولتير اعتبر أن التعصب الديني وما يجره من عنف دموي هو مرض المسيحية الأوربية تحديداً، وأنا منه أقتبس أنه ليس التعصب فقط من يضر بالإسلام، لكن الجهل أيضاً، وعدم الأهلية لشؤون الفتوى والخطابة أكثر ضرراً على الإسلام والمسلمين.
الرئيس اجتمع مع وزير الأوقاف لمتابعة جهود وزارة الأوقاف في الاستعداد لشهر رمضان الكريم، ووجه بمواصلة جهود تحسين أحوال الأئمة والدعاة، والاستمرار في برامج تدريبهم وتأهيلهم علمياً وثقافياً، وذلك في إطار تعزيز جهود مواكبة الخطاب الديني لتطورات العصر والتفاعل معه، على نحو مستنير ومعتدل، مع الحفاظ على الثوابت وتعميق الفهم الصحيح للدين الإسلامي ومقاصده السامية وترسيخ القيم الإنسانية. وهذا هو بيت الداء وهو الدواء أيضاً.
الآن ونحن في أيام مباركة تبدو الحاجة ملحة لتشديد الرقابة على المساجد ومكافحة مثل هذه الظواهر الظلامية لتفادى انتشار الأفكار المتطرفة، وجذباً لجيل أصبح أغلبه عازفًا عن الذهاب للمساجد حتى في رمضان. وزارة الأوقاف فشلت حتى الآن في التعاطي مع تلك الظواهر الصوتية التي تنفجر في عقولنا، قبل آذاننا.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية