يشهد العالم صراعًا محمومًا، لم يعرفه منذ انتهاء الحرب الباردة قبل عدة عقود، وكشفت أزمة كورونا ثم الأزمة الروسية الأوكرانية عن أن كوكب الأرض تحول إلى قرية صغيرة، يتأثر سكانه بكل الأحداث التي تجرى شرقه أو غربه.
وحذر تقرير أممي مؤخرًا أن العالم على مشارف أزمة غذاء، كما كشف تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة – الفاو- وبرنامج الأغذية العالمي عن ارتفاع نسب المجاعة في العالم ومن المتوقع أن يتفاقم الأمن الغذائي الحاد في كثير من مناطق العالم، بسبب الحروب والتغيرات المناخية وتضاعف الكتلة السكانية على كوكب الأرض في آخر خمسين عاماً لتصل إلى ثماني مليارات نسمة، مما ساهم في الأزمات الاقتصادية لكثير من الدول بسبب الارتفاع المستمر للأسعار العالمية للمواد الغذائية والوقود والأسمدة.
والحقيقة أن الأحداث العالمية السريعة والمتلاحقة جعلت كثيراً من الدول تعيد حساباتها وأولوياتها بعد أن أصبح الغذاء من أولويات الأمن القومي، وتتجه كثير من الدول الآن لتحقيق الأمن الغذائي من خلال الزراعة والتصنيع الزراعي.
الحقيقة أن مصر انتبهت قبل عدة سنوات إلى هذه القضية عندما وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة إلى زيادة الرقعة الزراعية واستصلاح مليون ونصف المليون فدان لتقليص فجوة استيراد القمح وبعض المحاصيل الأخرى وزيادة تصدير المنتجات الزراعية الأخرى، وتقوم وزارة الزراعة بجهود كبيرة في السنوات الأخيرة ساهمت في الناتج المحلى الإجمالي بحوالي 15% وارتفعت الصادرات الزراعية إلى 6.4 مليون طن.
وحققت مصر اكتفاءً ذاتيا في 9 مجموعات محصولية مثل الخضر والفاكهة وقصب السكر وبعض المنتجات الأخرى.. لكن تبقى الأزمة قائمة والفجوة كبيرة للوصول إلى الاكتفاء الذاتي في المنتجات الغذائية، الأمر الذى يدعونا إلى حلول مبتكرة وتغيير شامل في السياسات الحالية تجاه هذه القضية تحديدا من خلال منح القطاع الخاص فرصاً حقيقية، ولن تجدى عمليات الترقيع أو التوجيهات مع البيروقراطية المتجذرة والقوانين المجحفة والعراقيل الصعبة سواء أمام الأفراد أو الشركات التي ترغب في الاستصلاح والزراعة، خاصة أن الهيئة العامة للتنمية الزراعية باتت أكبر معوق للتنمية الزراعية في ظل القوانين الحالية وهناك مئات النماذج لأفراد وشركات قاموا بعمليات الاستصلاح والزراعة وأهدروا كل أموالهم ولم يتمكنوا من تقنين أوضاعهم.
والأخطر أن هناك أحكاماً قضائية لم تنفذ، وكلنا يعلم أن عملية استصلاح الصحراء تستنزف أموالاً طائلة، ويجب أن تغير الحكومة سياستها في قضية استصلاح الأراضي وفى ظل تحول الأمن الغذائي إلى أمن قومي، خاصة في القوانين المعطلة والبيروقراطية والتسعير المجحف والمغالي فيه، ولا أدري ماذا يضير الحكومة أن يتم استصلاح وزراعة أكبر قدر من أرض مصر من خلال منح الأراضي بأسعار رمزية لمن يقوم بزراعتها؟.
والمؤكد أن هناك مئات الشركات وعشرات الآلاف من الشباب سوف يتجه إلى الصحراء سواء في سيناء أو الواحات والنطرون وغيرها لتحويلها إلى ثروة قومية يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي لمصر من الغذاء وتساهم في القدرات التصديرية، وتفتح المجال لآلاف الفرص من الأيدي العاملة، وعلينا أن ننظر إلى بعض الدول النفطية التي تستغل ثرواتها في الاتجاه لروافد جديدة سواء في التصنيع ومنح الأرض في هذا المجال بدولار واحد مع كافة التسهيلات، وأيضاً منح المستثمرين في المجال الزراعي الأرض بأسعار زهيدة جدًا أو بحق الانتفاع وتقديم كافة الضمانات للمستثمر، وبات الأمر يحتاج مع مصر طرح رؤى جديدة وسياسات جديدة، ومنح المستثمرين والمصريين فرصاً حقيقية تشجعهم على العمل وبذل الجهد داخل وطنهم.
حفظ الله مصر
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية