أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال مباحثات قمة جمعته، أمس، بالرئيس الكرواتي زوران ميلانوفيتش «دعم مصر لتغليب الحوار، وتفعيل كل السبل المؤدية إلى التهدئة، والتوصل إلى حل سلمى للأزمة الروسية- الأوكرانية». ما أعلنه الرئيس هو موقف مصر الرسمي، الذي أكدته مرارًا وتكراراً، منذ اندلاع هذه الحرب قبل عام من الآن، الحرب التي تجاوزت آثارها، حدود روسيا وأوكرانيا، وتسببت في تعطيل عجلة إنتاج العالم.
ما قاله الرئيس يحتاج لأن يسمعه العالم، وأن تكون هناك جدية في التعامل مع هذا النداء المصري، وخطوات عملية وتحركات حقيقية لإيقاف هذه الحرب المدمرة، والتي تهدد الأمن والسلم الدوليين، فالتجارب أكدت عبر سنوات سابقة، أن ما تحذر منه الدولة المصرية، يكون خطيرًا بدرجة ضرر كبيرة للمجتمع الدولي بأكمله، وينتج عنه في حالة عدم استجابة العالم للنداء، ثمن غالٍ يدفعه الجميع.
سبق لمصر أن حذرت منذ خمسة وعشرين عامًا أو يزيد، من تأثير الإرهاب على العالم، وتعامل الغرب مع النداء المصري، باعتباره ناتجًا عن أزمة تواجهها القاهرة، وليس باعتباره تحذيرًا من انتشار الإرهاب في كافة دول العالم، ولم يفهم أحد خطورة النداء والتحذير، إلا بعد أن وصل الإرهاب إلى الغرب نفسه، وهدد أمنه الذي كانت دول أوروبا والولايات المتحدة يعتقدون أنه آمن مستقر وبعيد عن الإرهاب.
والآن مصر تحذر من استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وتهديد هذه الحرب على السلم الدولي، فعلى الرغم من صعوبة امتداد الحرب العسكرية لمناطق أخرى، إلا أن تأثيرها الاقتصادي يمثل خطرًا لا يقل عن خطورة المواجهات العسكرية، فهذه الحرب التي لم تشهد مثلها أوروبا منذ عام 1945 ضربت اقتصاديات دول كبرى، وتهدد باقي دول العالم بتوقف حركة التجارة بشكل طبيعي، ونتج عنها خوف رؤوس الأموال الخاصة والعامة، وتحقيق معدل تضخم عالمي غير مسبوق، أدى لارتفاع أسعار السلع والمنتجات بسبب جائحة كورونا، وتبعه ركود ناتج عن «فوبيا» الحرب الروسية الأوكرانية، التي جاءت بعد الركود الإجباري الناتج عن الجائحة، ليجد العالم مساره الاقتصادي في غاية الصعوبة والدقة والخطورة.
منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022، ثم صدور عقوبات غربية ضد أكبر مصدر للنفط والغاز في العالم إلى ارتفاع أسعار الوقود، وتأثير هذا الصعود في الأسعار لم يشعر به سكان العالم إلا مع الشتاء الحالي، فقد شهدت بعض الدول الأوروبية احتجاجات شديدة، بسبب ارتفاع أسعار وقود التدفئة، وما نتج عن الحرب من آثار أخرى مثل زيادة تكاليف الرعاية الصحية، وتقلص فرص العمل، واستغناء الشركات الكبرى عن نسب كبيرة من العمالة.. كل هذه النتائج كانت خلال أقل من عام واحد على اندلاع الحرب، والمتوقع خلال العام القادم، مزيد من الأزمات للعالم، وفى مقدمتها أوروبا التي تدفع ثمنًا باهظًا، سوف يؤثر على استقرارها السياسي، وتماسكها الاجتماعي خلال 2023 وما بعدها إذا لم تنته هذه الحرب التي يدفع ثمنها الجميع وليس روسيا وأوكرانيا فقط.
ليس الغرب فقط الذي يدفع الثمن، ولكن الشرق الأوسط أيضاً يواجه أزمة كبيرة في توفير الحبوب، بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير، وسيكون الأكثر تضررًا في معركة توفير القمح، وهو نتاج طبيعي لاضطرابات شحن الحبوب التي يتم توفير ثلثها من روسيا وأوكرانيا.
عموماً.. العالم كله سيعاني إذا استمرت الحرب حتى نهاية العام الحالي.. البنك المركزي البريطاني يتوقع أن ينكمش اقتصاد المملكة المتحدة بمعدل 0.5% هذا العام، وهذا يتماشى مع توقعات صندوق النقد الدولي بحدوث انكماش بمعدل 0.6%، والتي تعنى أن نمو اقتصاد بريطانيا سيكون أسوأ من مجموعة الدول السبع وروسيا.. كان البنك الفيدرالي الأمريكي أعلن عن زيادة سعر الفائدة للمرة الثامنة على التوالي على الدولار بنسبة 0.25% في أول اجتماع له خلال 2023.. أما فرنسا فهي تعاني بشكل أكبر فقد بلغ معدل ارتفاع التضخم 5.2% نهاية العام الماضي، وتوقع البنك المركزي الفرنسي حصول ركود في البلاد في العامين 2023 و2024، وهو ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إعلان اقتصاد الحرب.
إذا كان العالم ليس في مساحة ومجال قصف الأسلحة الروسية الأوكرانية.. إلا أن الجميع أصبح في مجال التأثير السلبي على الحياة والإنسانية.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية