مع بداية كل عام؛ يتجدد الجدل، ويتصاعد الصخب، حول جواز التهنئة بـ ميلاد السيد المسيح، الذباب الإلكتروني للمحظورة وأذنابها السلفية؛ ينتظرون هذا الموسم من العام للعام، لنشر الظلامية. وبث السموم في معسول الكلام المغلف بالدين. وخلط الدين بالسياسة بالأوضاع الاقتصادية كل ذلك في مسعى حثيث وبائس لتعبئة النفوس وشحن العقول بالأفكار المتطرفة.
الأزهر؛ شيخه ومرصده تصدوا لهذه الغارات الظلامية السنوية؛ حيث قال الشيخ الطيب إن تهنئة المسيحيين بأعيادهم «فهم للدين»، وأكد الشيخ دون لبس أو تأويل أن «الإسلام هو دين الرحمة، والمسيحية هي دين المحبة».
وفي رسالة فلسفية، تعكس العلم والفهم العميق لصحيح الدين؛ أكد شيخ الأزهر الشريف أنه لا توجد في القرآن أديان مختلفة، لكن توجد رسائل إلهية تعبر عن الدين الإلهي الواحد، لافتاً إلى أن هناك وحدة تربط نبي الإسلام محمد، صلى الله عليه وسلم، بغيره من الأنبياء، وهي الأخوَّة، مستشهداً بقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى الناسِ بِعِيسَى ابنِ مريمَ في الدنيا والآخرةِ، ليس بَيْنِي وبينَهُ نَبِيٌّ، والأنْبياءُ أوْلادُ عَلَّاتٍ؛ أُمَّهاتُهُمْ شَتَّى، ودِينُهُمْ واحِدٌ».
وأكد شيخ الأزهر الشريف أن هذه الآراء تُدرس في مناهج الأزهر، ويدرسها طلاب الفقه بجامعة الأزهر والمرحلة الثانوية. وهنا مربط الفرس في الدراسة والعلم والتأهيل، ثم الفهم والتدبر وإعمال العقل والتفكير.
مرصد الأزهر أيضاً أشار إلى أنه: قد لوحظ من الصدى الذي أحدثته تهنئة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور الطيب، التي وجهها لـ البابا فرنسيس، والبابا تواضروس، وقادة ورؤساء الكنائس، والمنشورة عبر صفحة فضيلته على موقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك» تباين ردود الأفعال حولها، ففي مقابل 30 ألف تفاعل بالإيجاب على التهنئة جاء أكثر من 16 ألف تفاعل غاضب وساخر من الرافضين لفكرة تهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد انطلاقًا من الجهل بتعاليم الدين والمفاهيم المغلوطة التي روج لها البعض حول تعارض ذلك مع العقيدة الإسلامية، في إذكاء واضح لنبرات العنف والكراهية ضد الآخر المخالف في الدين، وهو تفاعل يدل عن فهم خاطئ لنصوص الدين ويقود إلى تهديد السلم العام وازدراء الأديان، مما يترتب عليه عقوبة قانونية ومخالفة دينية.
الأسوأ من الذباب الإلكتروني؛ الجيل الجديد من «الدعاة المحدثون» ـــ وهم ليسوا بدعاة ـــ أو ما يمكن أن نطلق عليهم دعاة الـ TikTok نسبة إلى برنامج التواصل الشهير، ويمكن أيضاً أن نطلق عليهم دعاة «التوك توك»، متابعيهم بالآلاف وأحيانا بالملايين. لا نعرف ماذا قرأ هؤلاء؟!!، وما الذي أهلهم لمهام الدعوة؟.
مصر عرفت ظاهرة دعاة الكاسيت في الثمانينيات ومطلع التسعينيات، ثم دعاة الفضائيات في حقبة الألفية، وكلها كانت تنطوي على فكر متطرف، ودعوات صريحة للجهل والرجعية، هذه الظواهر كانت سببًا مباشراً لاغتيال الأديب والمفكر فرج فودة، ومحاولة اغتيال الأديب الكبير نجيب محفوظ، يوسف السباعي، وغيرهم من رموز الفكر والأدب والسياسة في رد فعل مباشر لتلك الدعوات الضالة المنطوية على جهل واضح وصريح بالدين الحنيف، وفي جانب آخر كانت تلك الظواهر أبرز الأدوات التي عملت على استغلالها المحظورة وغيرها من جماعات الظلام في ضرب وحدة الوطن واستقراره حتى وقت قريب.
يكفي للتدليل على ذلك أن الإرهابي أبو العلا عبد ربه، قال إنه اغتال المفكر فرج فودة بزعم «الاقتصاص لدين لله تعالى، لأن فرج فودة مرتد وقد أفتى العلماء بذلك وقتله حكم شرعي صحيح» وفقا لتفكيره المتطرف. وهو الذي لم يقرأ كتاب واحد لفرج فودة!! لكن كانت فتاوى الدعاة. الجدير بالذكر أن عبد ربه حصل على عفو رئاسي من قبل المحظورة عام 2012.
الكاتب الصحفي، ووزير الثقافة الأسبق حلمي النمنم؛ في دراسته المعتبرة حول التنوير والدين، طرح سؤالاً مُهِمًّا في هذا السياق، حيث تساءل، هل ذلك الفريق من خصوم التنوير يتحركون – فعلاً – من الغيرة على الدين وعلى الأخلاق والقيم أم أن عجزهم عن فهم معنى التنوير يدفعهم إلى ذلك الخلط وإطلاق أحكام دون بينة أو إثبات وبرهان؟ تلك هي المشكلة بالفعل؛ مشكلة الجهل الذي ينتج عنه سوء فهم، فيحدث الإضلال والتضليل، ومن ثم التطرف فكراً وسلوكاً.
الآن وفي ظل التصاعد الرهيب لوسائل التواصل الاجتماعي، والتي يجب الإقرار بخروجها عن نطاق السيطرة، يجب الانتباه لما تفرزه من فكر متطرف تعيد إنتاجه في قوالب وأشكال جديدة، تتسق وواقع ومفردات العصر، ما يعني ضرورة المواجهة بأفكار جديدة أيضاً. والبداية في مراجعة الظواهر الصوتية التي تعتلي المنابر كل جمعة. ثم من يطلون علينا عبر الشاشات.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية