وحركة طالبان الأفغانية بدعة بحد ذاتها، أما قادتها وأتباعها فهم متمرسون في الإتيان بما لا يعقل قبل ما يعقل، منذ أن ظهروا فجأة إلى الوجود من العدم، تماماً كما ظهر ذلك التنظيم المسمى «داعش»، فهؤلاء الطلبة الذين كانوا يدرسون في المدارس الدينية الباكستانية كانوا بعيدين كل البعد عن الأحداث التي تمر بها بلادهم، وكانوا يعيشون في معسكرات اللاجئين، مع من تركوا أرضهم وحلالهم وهربوا خوفاً من السوفييت الغزاة مطلع الثمانينيات، على عكس الرجال الذين أصروا على البقاء ومحاربة المحتل، فقادوا جهاداً مشهوداً لعقد من الزمان، حتى هرب الغازي وانهارت دولته.
وعاد حكم أفغانستان إلى أهلها، وبدأت مرحلة بناء دولة حديثة ومستقرة، وكادت لولا ظهور مجموعات مجهزة بالأسلحة والآليات تعبر الحدود إلى المناطق والمدن المهمة، وتحمل مسمى «طالبان»، أي الطلبة، ولم يذكر أحد كيف تجمع هؤلاء الدارسون في المدارس تحت راية جديدة لتحارب من جاهدوا وتحملوا سني الحرب دفاعاً عن وطنهم؟ ولم يسأل أحد عن جهات التمويل والتدريب؟
وخلال أسابيع كان الطلاب في كابول، وكأن الطرق مهدت لهم، فأصبحوا حكاماً، وأعلنوا قيام دولة دينية، وطبقوا شرعاً غير شرع الله، وقسوا على أبناء بلادهم وبناتها، وعلقوا المشانق في الشوارع، ولم يوقفهم عن القتل وسحل النساء قلب رحيم أو قائد حكيم، وعادوا بكل شيء إلى الوراء مئات السنين، وأفتوا بما يخالف الدين، ومثلوا بكل من وقع بين أيديهم ما دام ليس منهم، وشردوا أضعاف الذين شُردوا عند الغزو الأجنبي، فقط لأنهم يعتقدون بأنهم على حق، ومن يخالفهم الرأي أو التفسير على باطل.
وأجازوا للمعممين الذين لم يدرسوا شيئاً غير القشور بعقد محاكمات «راجلة» في الأسواق، ليجلدوا شيخاً طاعناً في السن أو امرأة خرجت من منزلها لتجلب القوت لأبنائها، أو فتاة تحمل كتباً مدرسية عائدة إلى بيت ذويها، ونشروا الإرهاب الديني والفكري محلياً وخارجياً عبر أذرعهم التي فجرت نيويورك وغيرها، فأزيلوا قبل 20 عاماً، ولكنهم أعادوهم قبل عام واحد، معتقدين بأن حالهم سينصلح.
وغداً بإذن الله نكمل الحكاية.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية