كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى التي تستحوذ على اهتمام الملايين حول العالم، ولم تعد مباريات الكرة مجرد رياضة ترفيهية يستمتع بها المشجعون والمواطنون بشكل عام، وإنما تحولت إلى استثمار واقتصاد، ولم يتركها الساسة في حالها، وباتت إحدى الوسائل التي تستخدم سياسياً سواء على المسرح الدولي أو داخل المجتمعات باعتبارها أفيونة الشعوب.
وقبل حوالي شهر من الآن انطلقت منافسات بطولة كأس العالم في دورتها الـ22 على أرض قطر، وهو بالتأكيد أكبر حدث كروي يتابعه المليارات كل أربع سنوات، وتسخر فيها كل الدول المشاركة إمكانياتها لفرقها بهدف تحقيق أفضل النتائج لإسعاد شعوبها وتحقيق مكاسب سياسية واجتماعية ومعنوية.
وفي اعتقادي أن أكبر الدول تحقيقاً للمكاسب من هذه البطولة هي الدولة المنظمة قطر، وعلى عكس بعض الانتقادات بسبب قيام قطر بصرف حوالي 220 مليار دولار من أجل تنظيم البطولة، وتجاهل البعض أن هناك جزءاً كبيراً من هذا المبلغ ذهب لمشروعات خدمية سوف تستفيد منه دولة قطر لسنوات طويلة مثل مترو الأنفاق والفنادق والمدن السكنية الرياضية وغيرها من المنشآت الرياضية التي تستفيد منها الدولة في المستقبل.. وفي المقابل فقد حققت قطر عوائد سياسية وثقافية وإعلامية كبيرة، وما كانت لتحققه في عشرات السنين باعتبارها دولة صغيرة، وذهبت بعض هذه المكاسب للدول العربية بشكل عام، بعد أن رأى العالم حالة التحضر والحداثة التي وصلت إليها قطر، والتنظيم الرائع الذي فاق كل التوقعات.
بالتأكيد قمة الإثارة والمتعة في مونديال قطر، كانت في المباراة النهائية التي جمعت الأرجنتين وفرنسا، وكلتاهما من الدول العريقة في كرة القدم، وتقدمان مستويات عالية، خاصة أن فرنسا بطلة النسخة الماضية عام 2018 ولديها كليان مبابي أحد أفضل لاعبي العالم، والأرجنتين واحدة من أفضل الدول في هذه اللعبة وسبق لها تحقيق البطولة مرتين ويضم فريقها أفضل لاعبي العالم ليونيل ميسي، وجاءت أحداث المباراة قمة في الإثارة، وظهرت ملامحها على وجه الرئيس الفرنسي ماكرون الذي بدا عصبياً بسبب تقدم الأرجنتين حتى الدقيقة الثمانين، واستطاع مبابي تحقيق هدفين متتاليين، ويعيش الملايين في العالم تحبس أنفسها بسبب التعاطف الشديد مع الأرجنتين، وهو تعاطف بالتأكيد من أجل ليونيل ميسي الذي أعطى كل ما يملك لكرة القدم، وأسعد الملايين حول العالم من عشاق الساحرة المستديرة بكل فنون كرة القدم لأكثر من 17 عاماً، وبات الجميع يتمنى سعادة ميسي وحصوله على هذه البطولة التي يستحقها، وبالفعل جاءت الضربات الترجيحية لصالح ميسي، وتأتي لحظة تسليم الكأس معبرة عن هوية هذه البطولة العربية عندما قام الشيخ تميم أمير قطر بمنح ميسي العباءة العربية لارتدائها واستلام الكأس بها.
الحقيقة أننا سعدنا بهذه البطولة على الأرض العربية، وسعدنا بفريق المغرب الشقيق الذي حقق نتائج رائعة ووصوله إلى المربع الذهبي وتشريفه للكرة العربية والإفريقية.. ولكن يبقى سؤال ظل يراود عقول المصريين هو أين مصر ولماذا تخلفت في اللعبة الشعبية الأولى؟، ومتى ينتبه المسئولون إلى أن كرة القدم لم تعد مجرد رياضة ترفيهية وإنما أصبحت استثماراً واقتصاداً وتأثيراً سياسياً واجتماعياً.
والحقيقة أيضاً أن مصر لديها مواهب كثيرة في هذا المجال لم تستغلها بالشكل الأمثل بسبب فشل إدارة المنظومة الكروية، وأصبح من الواجب إعادة النظر في هذه المنظومة والأخذ بتجارب الدول التي حققت نجاحًا وقفزات بسبب اعتماد نظام الاحتراف في هذا القطاع أو بفصله عن البيروقراطية والتدخل الحكومي.
حمى الله مصر
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية