أغرب ما يمكن أن تقرأه في حياتك، هو ما قاله الملياردير الأمريكي تشارلي مونغر، الذي أكد في تصريح علني خلال الاجتماع السنوي لصحيفة ديلي جورنال إنه «يخشى الحسد»!! نعم الرجل البالغ من العمر 92 عاماً الآن، والذي تمكن من جمع ثروة ضخمة تُقدر بـ 2.2 مليار دولار حسب تقديرات موقع فوربس، هذا الرجل الناجح يخشى عيون الناس وحقدهم عليه!!
قطعاً نحن كمصريين نؤمن بالحسد، لأسباب دينية، وترسخ لدينا هذا الاعتقاد بسبب الموروثات الثقافية، التي بالغت أحياناً في نشر ثقافة الخوف من الحسد، ولكن الغريب أن هناك آخرين في هذا العالم يخشونه ويعملون حسابه ويعتبرونه وسيلة إعاقة وتعطيل وعرقلة مسيرتهم الناجحة.
نحن مثلاً.. نستطيع أن نفهم أسباب خوف ملياردير مصري مثل نجيب ساويرس من الحسد.. فهو ابن بيئتنا ونتاج ثقافتنا.. فقد قال من قبل لـ«اليوم السابع» في حوار مع الزميل مجدي السيسي.. «بخاف من العين والحسد وكل دا موجود في الكتب السماوية.. وشوفت ناس عينها تكسر الزجاج.. ناس كتير والناس اللى نفسيتها وحشة عينها بتطلع في الحاجة.. عشان كدا مش بحب أحط صور ولادي على السوشيال ميديا ومش بحب أروح لحد من رجال الدين، ومنى لربنا وبسأله وبستشيره ولو عندي ذنوب بعترف بيها».
ربما يكون نجيب ساويرس أكثر وضوحاً من الملياردير الأمريكي، ولكنه سار في نفس الاتجاه الذي أراد تشارلي مونغر أن ينتبه الناس إليه، وهو أن الحسد هو التصرف الكاشف للحقد، لأن التصرف المُنشئ للخوف هو وجود الكراهية داخل النفوس البشرية على كل المستويات، سواء كانت نفوس مليارديرات أو فقراء، فتجد أحدهم يحسد زميله في العمل لأنه حصل على درجة وظيفية أعلى منه، وتجد البائع المتجول يحسد منافسه لأنه باع قطعة واحدة أكثر منه، والطالب يمتلئ حقداً على زميله لأنه حصل على رُبع درجة أكثر منه!! ولذلك يربط الناس دائماً بين الحسد وبين وفاة طالب عقب حصوله على الثانوية العامة بتفوق كبير، أو يربطون بين هذا الحسد القاتل وبين وفاة زوجين في شهر العسل أو ليلة الزفاف بسبب عيون الناس، ولا يريد أحد أن يقول إن هناك كارها أو حاقدا يتربص بالشخص راغباً في زوال النعمة عنه!!
إذًا نحن أمام أزمة إنسانية بالغة القسوة، وهي أن معظم الناس تعتقد أنها الأفضل، وأن غيرهم يجب أن يأتي بعدهم بخطوات مهما كانت كفاءة هذا الغير وقدراته وثقافته وشطارته، فالجميع يرى نفسه أذكى الناس وأكثرهم قدرة على النجاح، ولكن معظم هؤلاء لا يعرفون أن النجاح لا يصنعه اللعب بالبيضة والحجر، ولكنه نتاج عمل وجُهد خلال مشوار حياة طويلة يتم خلالها منع النفس البشرية من السير في اتجاه الهوى والبحث عن وسائل ملتوية للقفز على النجاح دون مسوغات أو قدرات!!
من الموضوعات اللطيفة التي قرأتها في موضوع الحسد هو ما نشرته اليوم السابع أيضاً منذ عامين للزميل محمد عبد الرحمن، تمائم المصريين لمواجهة الحسد عبر التاريخ، فكانت أسطورة إيزيس وأوزوريس، التي أوردت أن حورس لم يستعد حكمه على مصر إلا من خلال عين سحرية زرقاء وهي «عين حورس» التي تمكن بفضل قوتها من هزيمة عمه «ست» وإنقاذ بلاده، وهي العين الشهيرة التي أصبحت قلادة للكثيرين في معظم بلدان العالم.. وخلال فترة انتشار اليهودية في مصر ظهر ما يسمى كف ميريام نسبة إلى أخت النبي موسى عليه السلام، ويقال إنه رمز لقيامها بمساعدة أخيها حسبما جاء في النصوص التوراتية، ويذهب بعض اليهود السفارديم إلى أن العدد 5 في كف ميريام نسبة إلى الكتب الخمسة المقدسة بالتوراة، كما يعتقد أيضا أن الرقم 5 يشير إلى الحرف الخامس بالأبجدية العبرية وهو «هيت» وهو أحد أسماء الله المقدسة.
أما عند المسيحيين فيعتقد الباحثون أن كف مريم في المسيحية، يحمل إشارة إلى السيدة العذراء مريم، ويدها المباركة، وقد استعملت لحماية الأم والجنين والتبرك بها لدرء الشرور المحتملة، وكانت تلك التميمة توجد معلقة على منازل المسيحيين واليهود ومن بعدهما المسلمين في الكثير من البلاد والأحياء أو ما يطلق عليها «الخمسة وخميسة»، وقد أرجع البعض رقم 5 عند المسلمين بأنه رمز للصلوات الخمس، والبعض الآخر قال إن أركان الإسلام خمسة.
عموماً.. الحسد طبقاً للتفسيرات الدينية وحتى العلمية، هو تعبير عن حقد دفين داخل الحاسد تجاه المحسود، وأمنية بزوال النعمة من المحسود.. وأنصحك بعد الانتهاء من قراءة المقال أن تدرك أن جهدك هو السبيل الوحيد للنجاح، فلا تتمنى إلا الخير لكل الناس وأنت منهم، وبعد أن تنتهى من عملك وتحصل على التقدير الذي تتمناه يكفيك أن تقرأ قوله تعالى: بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ «قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفاثَاتِ فِي العُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) »… صدق اللَّهُ العظيم.
عضو مجلس الشيوخ
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية