الدولار أكل الجو.. نعم أصبح سيدًا لكل المجالس، ومتحكمًا في كافة الأسعار، وقائدًا لحملات الغلاء الجنونية التي ألهبت الجو وأشعلت درجة الحرارة لتقترب من الاشتعال الذاتي، لتأتي على اليابس والأخضر، تزامنًا مع موجة غلاء عالمية، واتهامات للحكومة بالعجز عن السيطرة على الأسواق، وتركها المواطنين فريسة لتجار كبار وصغار نزع الله من قلوبهم الرحمة، ووجدوا الفرصة سانحة لجمع المزيد من المال الحرام، على حساب الجيوب والبطون الخاوية.
كل الطرق في كافة الموضوعات التي تشغل بال المصريين أيًا كانت مستوياتها تؤدي في النهاية إلى «الدولار» الذي أكل الجو فعلًا وفرضت تلك الأزمة وجودها من بائعة الجرجير إلى وكلاء السيارات مرورًا بالأدوية والمستشفيات والتعليم والخضروات والمواصلات، حتى رغيف الخبز.
وكل ذلك في سلسلة حديدية متواصلة ومتشابكة بطريقة معقدة آخرها في رقاب العباد وكلما اشتدت وضاقت زاد الغضب المكتوم ليصل إلى عنان السماء.
ويبدر إلى الذهن السؤال الأقرب عن رقابة الأسواق، ومن المسؤول عنها، ولماذا لا تحكم الدولة قبضتها على التجار؟ فمعظمهم يسعر بضاعته وفقًا لهواه دون رقيب أو حسيب، والأغرب أن السلعة الواحدة تباع في الشارع الواحد إن وجدت بأكثر من سعر وفقا لهوى البائع وحاجة المشتري. كما زادت المشاحنات وارتفعت الأصوات، بعدما اختفت المقولة الراسخة في الأذهان «الزبون دائمًا على حق»، والرد جاهز الدولار هو السبب.
كل ذلك يحدث في غياب جهاز حماية المستهلك عن القيام بدوره وفشل المستهلكين في الوصول لجهة رادعة لإنقاذهم، وقناعة التجار أن الدولار أكل الجو، وأفسد كل أنواع الرقابة فعالياتها.
الدولار الذي يواصل قفزاته بصورة كبيرة إلى أعلى دون ثبات أو ارتداد وبات أكثر الخبراء تفاؤلًا يؤكدون أن الـ 30 جنيهًا ستكون أخر القفزات، في حين بالغ الخبراء الأقل تفاؤلًا أنه سيقفز إلى ما بين 38 إلى 60 جنيها، ما يعني توقع موجة غلاء كبيرة لا يتحملها القطاع العريض من أبناء الشعب خاصة في ظل ثبات المرتبات التي لا تحمي من جوع ولا تأمن صاحبها من غدر الأيام، ومواجهة طوارئ الليل والنهار، والتغلب على متطلبات الحياة في ظل تراجع قيمة الجنيه إلى مستويات غير مسبوقة.
هناك أنباء متداولة عن موجة تعويم جديدة للجنيه خلال الأيام القادمة مما سيزيد المساحة المملوكة للأخضر أمام الجنيه المصري، الأمر الذي سيزيد حياتنا تعقيدًا في حال عدم توفر الدولار وتأثيرات ذلك السلبية على المصنعين والمستوردين، وفي هذه الحالة سوف ينشط سوق الدولار الموازي للسوق الرسمية في صراع دامي يقضي على ما تبقى من مقاومة لدى الغالبية العظمى من المصريين للغلاء الفاحش ولهيب الأسعار.
وحتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا في مواجهة الدولار وما ستسفر عنه الأيام المقبلة وما تستقر عليه الحالة الصحية للجنيه ومدى تعافيه ومقاومته في الصمود والتصدي، وما بعد إعلان الخطط الحكومية لجذب الدولارات وتخفيض الضغوط على الجنيه، فإن الدولة مطالبة بخطوات عاجلة للسيطرة على الأسواق تتمثل في:
أولًا: الضرب بيد من حديد على المحتكرين للسلع والمؤججين لموجة الغلاء والمستغلين لانتكاسات الاقتصاد المحلي والعالمي.
ثانيًا: انتشار رجال حماية المستهلك في الأسواق والشوارع لمراقبة الأسعار والموازيين عن قرب مع إعطائهم حق الضبطية لاتخاذ إجراءات فورية تجاه المخالفين.
ثالثًا: إعلان أسعار جميع السلع وخاصة الإستراتيجية يوميًا في كافة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ووضع أرقام تواصل عاجلة ومتاحة للمواطنين للإبلاغ عن المتجاوزين.
رابعًا: وضع استيكرات داخل الأسواق وفي أماكن التجمعات وإلزام المحلات بوضع قوائم بالأسعار في أماكن بارزة منعًا للغش وتيسيرًا على المواطنين، وكذلك الحال على سيارات السيرفيس والميكرو باصات التي تتفنن في التسعيرة و«اللي مش عاجبه ينزل».
تبقى كلمة.. جهود الحكومة وحدها لا تكفي.. الإيجابية والمقاومة الشعبية هي الحل ومقاطعة بعض السلع إذا لزم الأمر، لابد وأن يستنفر المصريون قواهم لمواجهة تلك العصابات التي لا تكتف بمص دماء الغلابة ولكن أحلامها التدميرية وصلت حصد الأرواح.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية