مفاهيم وتعريفات «السيادة الوطنية» و«الدولة»، شأنها شأن جل تعريفات العلوم الاجتماعية والسياسية، حيث لا يوجد تعريف واحد جامع مانع لها، لكن يوجد تعريفات اتفق عليها ما بين باحثي العلوم السياسية والقانونية، وقد شكّلت نهاية الصراع في أوروبا عقب معاهدة وستفاليا سنة 1648، بداية لميلاد القانون الدولي الأوربي ثم المعاصر، بعد أن أقرت بمبدأ السيادة الوطنية للدول باعتبارها سلطة الدولة العليا والمطلقة على إقليمها، أي حق الدولة في ممارسة وظائفها وصلاحياتها واختصاصاتها داخل إقليمها القومي دون تدخل من أية دولة أخرى.
تشكل السيادة أحد الأركان الجوهرية التي تبنى عليها نظرية الدولة في الفكر السياسي والقانوني، فهي من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها بنيان وصرح القانون الدولي والعلاقات الدولية المعاصرة. ومن خلالها يتجسد واقعيا الوجود القانوني والسياسي للدولة كعضو في المجتمع الدولي.
يعتبر المفكر الفرنسي «جان بودان» المٌنظر الأهم لمفهوم السيادة، حيث لعبت إسهاماته دورا محوريا في بلورة مبدأ السيادة الوطنية كما أقرته معاهدة وستفاليا لسنة 1648، وقد ذهب «بودان» في كتابه «الكتب الستة للجمهورية» إلى تعريف السيادة على أنها: «السلطة العليا التي يخضع لها المواطنون والرعايا ولا يحد منها القانون».
ويعتبر بودان أن السيادة غير قابلة للتجزئة وهي مرتبطة بالدولة ارتباطا وثيقا، أي انها دائمة مع دوام الدولة ولا تزول إلا بزوالها، وهي مطلقة باعتبار الدولة تمارسها بلا قيود، وهو ما ينقلنا إلى خصائص السيادة؛ حيث اتفقت الدراسات القانونية والسياسية على إقرار نحو خمسة خصائص رئيسية للسيادة الوطنية، وهي: أنها سيادة شاملة، غير قابلة للتنازل، وأنها سيادة دائمة غير قابلة للتجزئة. وهي بذلك تنطوي على بعدين رئيسيين؛ الأول: هو أن للدولة سلطة مطلقة في مواجهة رعاياها في الداخل. والثاني: أن الدولة لا تخضع لسلطة أعلى منها في مجتمع الدول.
لذلك؛ فالسيادة الوطنية على هذا النحو، تلتقي والدولة كمفهوم قانوني، حيث الدولة وفقاُ لفقيه القانون الدولي إيان براونلي، تشتمل إضافة لعناصرها الثلاث الرئيسية الممثلة في: الشعب، الإقليم، والسلطة. وكذلك الاعتراف الدولي، وهو اعتراف بالسيادة، أي اعترافاً من جانب المجتمع الدولي بسيادة هذه الدولة وممارسة حكومتها للسلطة الفعلية.
ميثاق الأمم المتحدة أكد أيضًا على سيادة الدولة الوطنية، حيث نصت المادة 1/2 من الميثاق على أن «تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها»، واتصالاً بذلك المبدأ الوارد في الفقرة 2 من المادة 7 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تنص على أنه ليس في الميثاق يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما.
غير أن مجال ومدى وحدود تلك السيادة أصبحت محل التطور والتغيير، إلى الحد الذي يمكن وصفها بــ «المطاطة»، تخضع لازدواجية الرؤى والمعايير؛ ساهم في ذلك؛ التطور التكنولوجي المتسارع، الذي نتج عنه تحولات جذرية في مفهوم سيادة الدول ضمن حدودها الإقليمية المعروفة تاريخيا، لصالح حدود جديدة ساهمت بسهولة في انتهاك سيادة الدول وزعزعة أمنها واستقرارها، فالجماعة الأوروبية ومؤسساتها انتفضت في مواجهة روسيا انطلاقاً من ثوابت مبدأ «السيادة الوطنية» لدولة أوكرانيا. وهي ذات الجماعة التي دأبت على التدخل في الشأن الداخلي المصري من آن لأخر متجاهلة ذات المبدأ، ذلك رغم أن مصر أول من عرفت مفهوم الدولة بشكلها المعاصر وبعناصرها القانونية والسياسية منذ قديم الأزل. ما يعني أن تلك الدول والمؤسسات تكيف المفاهيم، وتطوع تلك المصطلحات والتعريفات (غربية الأصل والمنشأ) وفقاً لأهوائها ومصالحها.
هنا يتعرض مبدأ «السيادة الوطنية» لما يطلق عليه ظاهرة «التدويل» كمفهوم منافس للسيادة وينتقص منه، حيث تتدخل جهات ومؤسسات خارجية بذريعة أو بأخرى في مسائل تعد من قبيل الاختصاص الأصيل لسيادة الدولة.
من أبرز تلك الذرائع للتدخل في شؤون الدول؛ الأجندة المزعومة لحقوق الإنسان، حيث التقارير الغربية لا تزال تعكس جهلاً غربياً وأمريكياً بماهية الأوضاع وواقعها في مصر، وأن عديد الدوائر الأوروبية لا تزال تتأثر بالتقارير المغلوطة حول حالة حقوق الإنسان في مصر.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية