هذه كلمات حرة مباشرة.. مقصودة تمامًا. بلغة المثقفين والمبدعين والنقاد قد لا تحظى المقالات المباشرة بالقراءة الواسعة أو بالاهتمام والتأثير.. لكن لا بأس.
اختار الكتابة بهذه اللغة المباشرة هذه المرة عسى أن تصل الكلمات لمستحقيها، بلا «كلكعة» ولا «حسبة برما»، وأخواتها. فنحن في ظرف صعب تمر به الدولة المصرية. كما يقولون: «إحنا في مركب واحد»، نريد من سفينة نوح أن تعبر بنا إلى بحر النجاة، ولن تفعل إذا انكفأنا أو تفرقنا شيعًا وأحزابًا.
أريد أن أكتب عن مصر.. مصر التي حكمها الإخوان عامًا فأفسدوا فيها كل شيء، وكان الخلاص منهم يقتضي فعل كل شيء وأي شيء، الدين والتدين أمر عظيم. لكن الإخوان ليسوا متدينين.. وإنما يستخدمون الدين من أجل تحقيق أغراضهم ومآربهم في حكم البلاد.
حق أي إنسان أو تيار في الوصول إلى السلطة أمر مشروع. لكن ليس بطريق الخداع، ولا بإظهار الأفراد والجماعات خلاف ما يبطنون.
أغلب ما يتحدث به المتدين أو المتأسلم لا علاقة له بالحكم، هم يتحدثون عن الأحكام الشرعية والفقهية والمناسك والشعائر.. وهذه ليست من أصول الحكم، إنما هي قواعد تربوية عامة مهمة جدا.. وإن كانت مع هذا محل خلاف بين الفقهاء والأئمة. ولذلك فهس يجب أن تبقى جانبا من التربية في البيت، وجانبًا من التدريس في قاعات العلم، يدرسها طلاب علم نابهين، يتحاورون مع بعضهم ومع أساتذتهم في الجامعات والكليات والأقسام المتخصصة.. وليس في قصور الحكم والرئاسة ودوائر السلطة.
الحكم يعني إدارة الدولة بطرق وأساليب العصر الحديث، هذا ليس عصر الناقة وإنما عصر الصواريخ والنفاثة. عصرنا هو عصر العلم. وليس عصر التلقين والنقل عن فلان وعلان.. مهما كان اسمه ومهما علا كعبه فيما كتبه عن الدين.
الشيخ الشعراوي يلقب بـ«إمام الدعاة» ولكنه لم يكن حتى ناجحًا في إدارة وزارة الأوقاف! للسلطة أحكامها وظروفها ومواءماتها وطرقها الملتوية والمخادعة.. فن الحرب وفن التفاوض وفن إدارة المصالح، وفن حكم الشعوب.
الشعوب تحتاج من الدين ومن أحكامه المبادئ العامة، الوطنية.. العدالة.. نبذ الاستبداد.. السياسات الرشيدة في الحكم، من أجل تحقيق مصالح المجتمع، من أجل الإنتاج والتصنيع وتقوية القدرة الاقتصادية.
هذا تأتي به سياسات عامة رشيدة ولا تأتي به أحاديث ضعيفة أو أحادية أو إسرائيليات أو ما شابه ذلك.
الحكم يعني أن يستلهم الحاكم من الدين ما يساعده ونظامه على تحقيق مصالح العباد.. لا يمكن للحكام أن يطبقوا اليوم مقولة وأمرهم شورى بينهم، فلسنا في عصر السقيفة.. وإنما نحن في عصر الأفكار الحرة.. ملايين الناس لها آراء وأفكار، من المستحيل أن تعرفها وتصل إليها وأنت جالس في سقيفة بنى ساعدة. التي نعرفها من خلال قراءتنا عنها، وإنما نعرف ذلك من خلال الديمقراطية الصحيحة، والإعلام الحر المستقل.
الانتخابات هي أسلوب العصر الذي يثمر عن اختيارات في أغلبها متوازنة، خاصة في مجتمعات كمجتمعاتنا العربية، تحب التلقين، وأن يقول لهم شيخ الزاوية افعل ولا تفعل هذا حلال (الزواج من القاصرات مثلًا، في عمر التسع سنوات، ومن حقك مضاجعة زوجتك المتوفية مضاجعة الوداع!) وهذا حرام.. الحرام الحقيقي هو أن يستمرئ العامة كل حديث المشايخ ويضفون عليه قداسة ليست مستحقة.
كان الإمام علي يقول للناس اعرفوا الرجال بالحق ولا تعرفوا الحق بالرجال. كيف تصدق شيخًا يحثك على التداوي بـ«بول البعير»؟ في عصر الموت بالإيدز و الإيبولا والسرطان وكوفيد 19؟ كيف تصدق سيدة دكتورة أزهرية تقول ما معناه أن من حق الشاب أن يري جسد الفتاه التي يشرع في الزواج منها وهي في الحمام «مادامت نيته صادقه في الزواج منها»؟ من منكم يقبل ذلك؟ وهل الزواج في عصر الصواريخ النووية والذكاء الصناعي يتم بالنيات؟
أبسط العائلات تفسخ الخطبة لأوهى الأسباب.. تفسخها بسبب طلب العروس شراء «حلق» إضافي مثلًا.. أو لخلاف على من يدفع ثمن سجادة أهل العريس أم العروس؟ فهل تكون رؤية العروس في الحمام عند من كان ينوي الزواج منها، في حل اختلفت العائلات من أمر الدين في شيء؟ وفضلا عن ذلك، في مسائل الدين والوطن، من منكم يقبل اليوم أن يجبر الأقباط في مجتمع إسلامي كمجتمعنا أن يدفعوا الجزية وهم صاغرون؟
لا اتحدث هنا عن المتدينين والمتأسلمين من زاوية التطرف والاعتدال. لكني أتحدث عن الدولة وكيف تحكم وكيف تدار، فإيران الشيعية تفضل المذهب الشيعي ومع هذا تترك للولي الفقيه أن يخوض مع الناس أمر الاعتقاد صوابه وخطئه.. فيحدث أن فتاة تقتل بهراوة السجان الذي يبالغ -إلى حد القتل – في تطبيق الأوامر والأفكار الدينية المتعلقة بمنع السفور والتزام النساء بتغطية شعر الرأس بالكامل! لكن في المقابل إيران لديها نظام سياسي قائم على النظام الجمهوري، ولديها مجلس نيابي منتخب ورئيس جمهورية منتخب.
وهناك دولة تتحدي العالم لأنها تأكل وتشرب وتصنع وتلبس من إنتاجها الوطني روسيا التي كنا نعرفها بالشيوعية والالحاد في سابق العصر والأوان تحارب عالما بأكمله، حلفًا كاملًا يأمر دولًا داخله وخارجه فيطاع، يملك الترسانة النووية الفتاكة ويستطيع أن يمحو دولا من على ظهر الأرض من دون أن تطرف له جفن، ومع هذا فروسيا وحدها تقف ضده وتناصبه العداء، لأن لديها كل مقدرات الإنتاج الصناعي والعسكري والزراعي والإنتاجي. لا تحتاج من الغرب – ولا من غيره – كسرة خبز.
تحارب الغرب وحلفائه – والمتحالفون معه من رفاق حلف وارسو القديم، المنقلبين عليها – ولاتزال صامدة، ليس بالتدين الشكلي، ولا بالتأسلم السياسي المخادع، الذي يظهر غير ما يبطن، كما تفعل جماعة الإخوان، والتي خرج من عباءتها كل الجماعات والتيارات التي تمتطى الدين وتركبه، لتكون كلمتها هي كلمة الله المقدسة، ومن ذا الذي يجرؤ على رفض كلمة الله؟ حاشا الله أن نرفضها، وحاشاه جل وعلا أن تكون تلك الكلمات هي كلمته !
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.. فقد كتبت هذه السطور بعد صلاة الفجر.. لأقول أن دعوات الإسلام السياسي وفي القلب منها جماعة الإخوان ليست هي الحل.. وليست هي التي تصنع دولة.
الدولة تصنعها سياسات الحكم الرشيدة.. والديمقراطية الصحيحة والعدل وسيادة القانون على الجميع، ولا تصنعها دعوات نزول إلى الشوارع والميادين، كالدعوة إلى خراب مصر، يوم 11- 11، إنها دعوة لخراب مصر لا أظن أن المصريين رغم كل معاناتهم سيستجيبون لدعوات الإخوان لتخريب مصر.. لأن النزول ليس هو الحل وإنما الحل في العدل والحرية وسيادة القانون .
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية