إن زيادة أسعار الغداء في أوروبا إلى أكثر من عشرين في المائة مع زيادة تكلفة فواتير الطاقة إلى أكثر من ثمانين في المائة. يقابلها حالة عكسية متناقضة في الواقع الروسي حيث لم ترتفع تكلفة الطاقة أقل من عشرة بالمائة وانخفضت أسعار الأغذية إلى أكثر من ثلاثين في المائة. طبعا هذا الانخفاض في الأسعار داخل روسيا مع وجود دولة رعاية صحية وتعليمية واقتصادية واسكان لكل مواطن روسي في ظل اكتفاء ذاتي شامل.
ما نتعلمه من الدرس الروسي هو أن الاستقلال الحقيقي مبنى على حركية الدولة مؤسساتيا ضمن خطط أكاديمية تقدمها مراكز التفكير الجماعي التي تلتزم في أهداف خاصة في الدولة. وهنا جاءت جامعة موسكو مع ثلة الأكاديميين المتخصصين بما هو عقل تخطيطي مرتبط مع هدف أساسي تريده جمهورية روسيا الاتحادية وهو الحفاظ على دائرة مصالحها الذاتية بأبعاد التأمر الخارجي ومحاولات الاختراق الأمني والثقافي الغربي. وما هو غريب عن واقع الروس الديني والجغرافي والقومي المتعدد والعادات والتقاليد الشرقية هناك.
علينا أن نستفيد من التجربة الروسية في إيجابياتها وأيضا واضح أننا علينا مد خطوط التعاون بيننا وبينهم بما يخدم مصالحنا الكويتية وخاصة ما له علاقة في الأمن الغذائي. وأيضا ايجابيات دولة الرعاية هناك وكيفية الحفاظ على جودتها واستمرارها وخاصة أن جمهورية روسيا الاتحادية هي دولة نفطية كما نحن دولة نفطية ومجالات التعاون المشترك بيننا وبينهم كبيرة ومتنوعة. وهذا أيضا يتضمن جمهورية الصين الشعبية. وخاصة أنها تدخل بثقلها الملياري من مشاريع الـ BOT والتي نحتاج لها في الكويت لتحقيق ربط نريده ونحتاجه مع خطوط التجارة العالمية الجديدة وهي القادم الجديد لكل العالم.
وعلينا أن نستفيد من رغبة الصين الشعبية في إقامة هذه المشاريع العملاقة بدون أي تكلفة مالية علينا أو أمور تحت الطاولة وخاصة أننا نعاني من أزمة بطالة متفشية وستصبح أكبر مع مرور الزمن. وخاصة أن الصين الشعبية أقامت مشاريع عملاقة في النقل البري وخطوط القطارات العملاقة ومشاريع الطاقة الشمسية والموانئ الضخمة وهي لن تقوم بذلك لنا كـ«كويتيين» إلا لوجود مصلحة مشتركة لديها وخاصة أننا ضمن خط طرقها التجارية الجديدة وهذا ما قامت به الصين الشعبية بنجاح داخل باكستان والجمهورية الإسلامية في إيران وأيضا سيريلانكا ودول أخرى.
فإذا كانت هذه الدول العملاقة الحجم تتسابق للاستفادة من حركية الصين في الواقع الدولي ضمن هذه المرحلة الانتقالية لصناعة واقع دولي جديد متعدد الأقطاب فعلينا نحن أيضا أن نستفيد بما يخدم مصالحنا الكويتية وخاصة أنه في هذه المرحلة الانتقالية ستكون التكلفة المادية النقدية علينا هي «صفر». ولكن من الواضح أنه بعد اكتمال الانتقال إلى واقع متعدد الأقطاب والاتفاق الدولي الشامل كتكرار لما حدث في مؤتمر يالطا الشهير لما بعد الحرب العالمية الثانية وهو ما يترقبه المراقبين.
نقول إذا اكتمل الواقع الدولي الجديد فأنني اخشى أن يفوتنا الاستفادة من هكذا صراع انتقالي لمراكز القوى الدولية في العالم.
إن حركة المال بين مختلف دول العالم لها أهميتها لنا كـ«كويتيين» وخاصة مع صراع الأقطاب الدولي الحاصل حاليا في الموقع «الأوكراني» إذا صح التعبير وهي أحداث مثيرة تمثل انتقال لعالم متعدد الأقطاب له تداعياته علينا لا محالة وعلى غيرنا بطيعة الحال. وخاصة بما يتعلق في حركة نقل الأموال ونوعية العملة الدولية وقوتها الشرائية وواقعية وجود فقاعات وهم مالي نقدي وهو ما يتعلق في الودائع الرقمية أو في السندات طويلة الأجل أو في ثرواتنا الاستثمارية المنتشرة في مختلف بلدان العالم.
الخطير هو بداية تراجع الاعتماد والطلب العالمي على الدولار الأمريكي في ضل وجود حالة طباعة ونشر الملايين من الدولارات الغير مغطاة بأي واقع ملموس من ذهب أو اقتصاد حقيقي استثماري صناعي منتج إذا صح التعبير. وأيضا الأخطر هو دخول للنظام الصيني لنقل الأموال المسمى CIPS أو نظام تحويل الرسائل المالية الروسي SPFS كبديل عن نظام swift المستخدم.
والأخذ في التراجع عن الاستخدام الدولي وأيضا لدينا خشبة مسرح متينة تمثل قاعدة من النجاح الصيني المتواصل في صناعة طرق تجارية عالمية جديدة مختلفة عن القديمة لما بعد الحرب العالمية الثانية ومن جميل الصدف ومن حظنا كـ«كويتيين» أن نكون ضمن هذه الطرق التجارية الجديدة.
الأخطر من كل هذه الأمور هو ما حصل من تجاوز لكل ما هو معقول ومقبول في القوانين الاستثمارية الدولية الغربية حين تمت حالة من السيطرة العجائبية على الودائع الشخصية للروس المقيمين داخل بريطانيا وهي ودائع مالية تقدر بـ«مائة وسبعة وثلاثين ألف مليون جنيه إسترليني» من الكاش النقدي الموجود داخل البنوك ناهيك عن مليارات أخرى من الجنيهات الإسترلينية من الأصول من شركات ومؤسسات تجارية ومنازل وقصور وسيارات واليخوت الفاخرة كلها تمت مصادرتها والاستحواذ عليها! فهل لنا أن نسأل كـ«كويتيين» ما هي ضمانات استثماراتنا نحن كـ«أشخاص» ناهيك عن استثمارات ومشاريع الدولة الكويتية هناك؟
علينا كـ«كويتيين» وكـ«دولة» مؤسساتية أن نضع سيناريوهات التعامل الوقائي مع أي خلل سيحدث؟ فهل فعلنا ذلك؟ أو لا زال لا يوجد أحد ضرب الجرس؟
فهل هناك من سيسمع الصوت؟
كاتب كويتي في الشئون العربية والاسلامية
طبيب باطنية وغدد صماء وسكري
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية