نون والقلم

د. وليد عتلم يكتب: مصر من الحوار إلى الحراك

في كتاب «كارل بوبر: مائة عام من التنوير مجانا» يذهب الكاتب والفيلسوف المصري؛ عادل مصطفى إلى أن المجتمع المفتوح وفقاً للفيلسوف النمساوي كارل بوبر هو ذلك المجتمع الذي يتصف بأنه مَوصِّلٌ جيد لعملية حل المشكلات.

وحيث إن حل المشكلات يستلزم الطرح الجريء للحلول المقترحة التي توضع عندئذٍ على محك الاختبار النقدي لاستبعاد الحلول الفاشلة ونبذِ الأخطاء، فإن أصلح المجتمعات هو ذلك الذي يسمح بالاختلاف ويُصغي إلى شتى الآراء، ويتبع ذلك بعمليةٍ نقدية تُفضي إلى إمكان حقيقي للتغيير في ضوء النقد.

إن مجتمعًا يتم تنظيمه وفقًا لهذه التوجهات سيكون أقدرَ من غيره على حل مشكلاته، ويكون مِنْ ثَمَّ أكثر نجاحًا في تحقيق أهداف مواطنيه مما لو نُظِّمَ وفقًا لتوجهات أخرى.

موجز ما سبق يمكن أن نطلق عليه «الأفق المفتوح»، نعم مصر في حالة أفق مفتوح، مصر الدولة قيادة وشعب في حالة حوار وحراك؛ بداية من الحوار الوطني، ثم المؤتمر الاقتصادي، ونستقبل العالم في مدينة السلام شرم الشيخ في قمة ومؤتمر المناخ الدولي؛ الحدث الأكبر في تناول القضايا المناخية وحماية البيئة ويقام في مدينة شرم الشيخ في الفترة من 6 الى 18 نوفمبر.

بالتوازي مع ذلك كله تم إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي والتي تم تمثيل كافة التيارات السياسية المختلفة في تشكيلها، وهي اللجنة التي كانت أحد مخرجات المؤتمر الوطني للشباب في عام 2016.

هذا الحراك الشامل؛ وطنياً، ومحلياً، ودولياً؛ هو حراك متنوع وممتد لكل مستويات الدولة؛ حكومياً رسمياً، وحزبياً، مروراً بمنظمات المجتمع المدني، على المستوى المركزي للدولة في القاهرة، وامتد كذلك لكل المحافظات المراكز، في مشاركة فاعلة ونشطة لكل فئات المجتمع، بما أن يعني أن مصر الجمهورية الجديدة في حالة حوار مفتوح وشامل، ومواجهة صريحة لكافة القضايا والتحديات دون لبس أو مواربة، كل هذا إن دل على شيء إنما يدل على أن مصر قيادة وشعب لا تدفن رأسها في الرمال.

هذا الحراك تم ترجمته سريعاً في رفع الحد الأدنى للأجور إلى نحو 3 آلاف جنيه، ثم الإجراءات والسياسات الإصلاحية التي أقرها البنك المركزي المصري في سبيله لكبح جماح التضخم، والمعالجة السريعة لبعض مشكلات الصناعة الوطنية على المدى القصير، لضمان استقرار الاقتصاد الكلي وتحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل.

وبعيداً عن نوعية الإجراءات الفنية والمخرجات الاقتصادية والسياسية؛ يبقى في رأيي حالة «الأفق المفتوح» ما بين الدولة قيادة وحكومة والشعب، هي أهم المكتسبات للمرحلة الحالية، هذا الأفق الممتد يمثل قاعدة قوية لاستقرار الدولة المصرية.

ولنا في لبنان الشقيق عبرة وعظة؛ لبنان دولة وشعب تدفع ثمناً باهظاً لانسداد الأفق السياسي بين مختلف المكونات السياسية اللبنانية، ولا أذكر أخر حكومة لبنانية تم تشكيلها، والدولة كذلك على مقربة خطوة من فراغ رئاسي، في ظل فشل أعضاء مجلس النواب اللبناني، في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، خلفا للرئيس الحالي ميشال عون الذي من المقرر أن تنتهي ولايته في 31 أكتوبر الجاري، والوضع الاقتصادي والمعيشي في لبنان بات جحيماً لا يُحتمل، والوضع السياسي ليس أفضل حالاً، وبالتالي تراكمت الأزمات وتفاقمت. وكل ذلك نتيجة مباشرة للأفق المسدود المخنوق دائماً وأبداً في لبنان أمام أي حل سياسي.

إن استقرار الدولة ومؤسساتها نعمة كبيرة جداً، وركيزة أساسية للتنمية، يجب الحفاظ عليها، ونحن تَذَوُّقُنا من خيبات عدم الاستقرار ما بعد 2011 ما يكفي، ومصر الجمهورية الجديدة في ظل وضوح المسار والمسيرة، ماضية في طريق التنمية، ولا عزاء للانتهازيين، والحاقدين، مصر الآن في حالة اصطفاف وطني خلف قيادة وطنية من أجل استكمال المسيرة دون انسياق أو التفاف لترهات والهاءات «السوشيال ميديا» والدعاية السوداء للذباب الإلكتروني للجماعة وكتائبها، من أجل مصلحة الوطن؛ الوطن الذي كنا على وشك أن نفقده لولا القرار. ولنتذكر جميعاً كيف كنا ما بعد 2011، وأين نحن الآن.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى