مثلما قام بالتأريخ والتوثيق لسيناء تاريخياً وجغرافياً عبر مؤلفاته المختلفة؛ كان للدكتور جمال حمدان إسهام عظيم القيمة بالنسبة لنصر السادس من أكتوبر، فمن خلال كتابه «6 أكتوبر في الإستراتيجية العالمية» الصادر عام 1974، يقدم لنا حمدان دارسة شاملة حول معركة السادس من أكتوبر، وتوثيقاً محكماً، وردأ بليغاً بالأدلة والبراهين على كل من شكك في هذا النصر العظيم، والأبرز في تلك الدراسة الدلالات التي حملها نصر أكتوبر العظيم.
أهم تلك الدلالات؛ أن ملحمة السادس من أكتوبر، جسدت الإرادة المصرية، تخطيطاً، وتنفيذاً، فالعبور كما وصفه حمدان «كان بحق بمثابة اقتحام العقبة، مبارزة نارية التحامية بين البر والبحر، وبين الأرض والسماء» حيث نجحت العسكرية المصرية في مجابهة ثلاثية الموانع والتحديات الطبيعية، والهندسية، الأرضية والمائية.
الدلالة الثانية؛ أن نصر أكتوبر أعمق من مجرد معركة لتحرير الأرض، فقد كانت بمثابة عودة الروح، معنوياً وقومياً وعسكرياً، وهو ما يؤكد عليه حمدان من أن «أجمع العالميون على أن معركة أكتوبر تعد واحدة من أكبر معارك التاريخ العسكري الحديث، لا تقل عن كبريات معارك الحرب العالمية الثانية، ومعارك الدول الكبرى عموماً. كذلك أجمع الأعداء منهم، على أن ملحمة المعركة المصرية في سيناء جاءت بكل المقاييس قطعة مذهلة من الاستراتيجية الممتازة في جميع مراحلها: العبور، اجتياح الخط، رأس الجسر، القاعدة الأرضية».
وفي الفصل السادس يضيف حمدان واصفاً أنه «منذ الحرب العالمية الثانية، أكبر ملحمة عسكرية كوكبية في التاريخ البشري، وفي ظل العصر النووي نفسه، لم تُحدث حربا ما انقلاباً في الفكر الاستراتيجي والنظريات العسكرية مثلما فعلت حرب أكتوبر». حيث «جاءت حرب أكتوبر «ثورة» استراتيجية جذرية كاملة قلبت معظم مفاهيم الحرب التقليدية، وثورت كثيراً من قواعد الجغرافيا العسكرية بحيث جعلت من الضروري إعادة كتابة كتاب الحرب من أساسه».
الدلالة الثالثة: تمثلت في العبور الجديد، حديثاً لـ الجمهورية الجديدة، والذي بشر به حمدان في مقدمة الكتاب عام 1974، حيث قال «مخطئ من ينظر إلى معركة سيناء والجولان المظفرة في إطارها الضيق وأبعادها المحلية أو من يظن أن عبورنا المقدس إلى قدس الأقداس سيناء أمر ستقتصر دلالته في النهاية على «إزالة آثار العدوان»، أو أن العودة إلى سيناء والجولان تعني مجرد العودة إلى ما قبل 5 يونيو».
حمدان في هذا التقديم وكأنه كان يستشرف المستقبل، وأن سيناء كما كانت في 73 هي رمز الكرامة والصمود إلى الحد الذي دفع حمدان إلى وصف السادس من أكتوبر 1973 بأنه (بمثابة «عصر النهضة» العربي المحدث بعد تلك «العصور المظلمة» التي انتهت إليها النكسة، لقد رد هذا اليوم اعتبار العرب في العالم)، فهي أيضاً سيناء بوابة العبور للجمهورية الجديدة، امتدت إليها يد التطهير من الإرهاب لتمنع وتحمي المنطقة العربية من تكوين بؤرة جديدة للإرهاب كما الحال في سوريا، ليبيا، الصومال والعراق، ويد التطوير، التنمية والبناء، في عبور جديد وملحمة جديدة من ملاحم العطاء الوطني المصري على أرض سيناء من خلال إقرار المشروع القومي لتنمية سيناء ومحور قناة السويس.
ففي التقرير الذي نشره المركز الإعلامي لمجلس الوزراء إبريل 2022 سلط الضوء على الخطة الوطنية والشاملة للجمهورية الجديدة من أجل تغيير وجه الحياة على أرض الفيروز من خلال إطلاق مشروعات عملاقة على كل شبر منها، باستثمارات تبلغ أكثر من 700 مليار جنيه تم وجار تنفيذها لتنمية سيناء ومدن القناة خلال 8 سنوات. وأبرز التقرير جهود تنمية الاستثمار والمقومات الصناعية لجذب وتشجيع المستثمرين بسيناء ومدن القناة حيث بلغ إجمالي الاستثمارات العامة الموجهة لسيناء ومدن القناة 45.1 مليار جنيه عام 2021/2022، مقارنة بـ 6.2 مليار جنيه عام 2013/2014، بنسبة زيادة 627.4 %.
وعن محور قناة السويس؛ فإن مشروع تنمية محور قناة السويس الواعد يعمل على تطوير أكثر من 70 ألف كيلو م2 في مراحل ممتدة حتى عام 2052، بمتوسط إيرادات متوقعة قد تصل لنحو 100 مليار دولار سنوياً، إلى جانب استهداف استصلاح وزراعة نحو 4 مليون فدان.
وبالنسبة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس التي تبلغ مساحتها الإجمالية 460.6 كم2، فإنها تضم وفقاً للتقرير 250 منشأة صناعية وخدمية في مجالات مختلفة، ويصل إجمالي تكلفة البنية التحتية والاستثمارات داخل المنطقة نحو 18 مليار دولار، في حين وفرت المشروعات المنفذة بالمنطقة 100 ألف فرصة عمل مباشرة. وغيرها عديد وعديد المشروعات وفرص الاستثمار.
لتصبح سيناء مرة أخرى، وبعد 49 عاما من العبور العظيم، رمزاً مجسداً للإرادة المصرية، وتأكيد ثقة الإرادة والسيادة الشعبية المصرية في «جمهورية يونيو» التي تعبر منتصرة وتسير بخطى ثابتة نحو «الجمهورية الجديدة» في إطار دولة مدنية حديثة.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية