اخترنا لكنون لايت

ملتقى الشربيني يحتفي بذكرى «السيد (الذي)نام» منذ اثنين وخمسين عام (1-2)

«السيد نام».. نام اثنين وخمسين عامًا. بقصيدة كان هذا عنوانها،  نزف  نزار قبانى مشاعره شعرًا ،عندما غاب جمال عبدالناصر في 28 سبتمبر 1970. –

بعد كل هذا الغياب ..أعاد ملتقى الشربيني الثقافي مجددًا «السيد( الذي)نام» ..إلى البلد ! كان «قباني» يسأل هذا السيد ( أو عبد الناصر): «متى تعود إلى البلد.. وإلى أولادك في البلد» ؟

ملتقى الشربيني الثقافي، في محاولة منه لاستعادة السيد النائم واستحضاره في المحروسة ، أقام ندوة  بعنوان «عبد الناصر ..ملهما لأدب المقاومة» أعادته  إلى البلد ..إلى مصر ..ليطل عليها بعد 52 عامًا من نومه ، ليري كيف أصبحت ، وماذا فعلت بكل مقاومة أبداها، وكل إلهام مقاوم ،ألهب به الوجدان والأفئدة.

امتلأت عن آخرها-منصة وحضورًا ، قاعة جمعية هيئة خريجي الجامعات –  مقر الملتقى فى القاهرة -حيث حضرت جموع غفيرة تناهز الخمسين .الاجواء كانت مفعمة بالوطنية ، وافتتحت الندوة بعزف السلام الوطني من الفنان احمد سمير. بعدها تحدث مؤسس الملتقى الكاتب الصحفي محمود الشربيني مستهلا كلمته  بأبيات لنزار:

السيدُ نامْ

السيدُ نامَ  كنومِ السيفِ العائدِ من إحدى  الغزواتْ

السيد نامَ

وكيف أصدق أن الهرم الرابع مات

وقال كأنه يخاطبه: يا أيها السيدُ .. يا جمال عبدالناصر.. عندنا خطاب عاجل اليك :الزرعُ في الغيطانِ والأولادُ في البلد// يسألون عليك كل قادم إلى البلد// متى تعود للبلد “؟!

غياب طويل يكثف زخم الحضور

وقال الشربيني :تتصادف عودة الملتقى  إلى مقره القاهري وتوقيتها، مع مرور الذكري الثانية والخمسين لرحيل زعيم لايزال يشغل العالم ..حيًا وميتًا. ذلك الرجل الذي يكثف غيابه زخم  حضوره !صحيح ان العالم  كله – إلا نحن – لايزال  مشغولا بهذه المحاولات ..الدول المتقدمة تفعل ذلك مع ناصر وغاندي وجيفارا ومانديلا وماو ومهاتير وأمثالهم .. لكننا فى مصر لم نعد نفعل! ربما استمرأ نفر ممن بيدهم القرار  تعطيل لغة الدراسة والبحث ( العلمى والفكري) والحوار الديمقراطى .أديرت الظهور للعمل الجاد والمدروس وقيم المثابرة والطموح والارتقاء والتغيير وقيم الشراكة فى بناء الوطن والانسان . لا أتورع عن القول ان نموذج بناء مصر فى زمنه ،  كان هو النموذجُ الناهضُ الواجبُ كسرهِ..  فبحسب أوامر  السياسات الاستعمارية:  No Nasser Again

لا نقيمه.. وإنما نستحضره

وشدد الشربيني فى كلمته على أنه “لا أبحث فى هذا المحفل  عن  تقييم  ناصر  أو تجربته ، وانما أريد أن ارصد من خلال المبدعين  والنقاد والكتاب والمثقفين، كيف كان تأثير خطابه المقاوم ل الاستعمار والاحتلال والصهيونية، والظلم والاقطاع والاستغلال وغياب العدالة الاجتماعية،  وغير ذلك من المضامين التى حملها وعبر عنها وحاول تنفيذها على الأدب والابداع والمبدعين ، وكيف أثروا فى الناس تأثروا بهم  ؟ لا أعرف عن  دراسات أجريت فى هذا الجانب .. ربما لان حجم “الشوشرة والغلوشة”التى تجري على تجربة الرجل تجعل هناك عزوفًا عن ذلك .. خاصة  فى الاماكن التى يفترض أن تلك من مهامها، كالجامعات ومراكز الابحاث .. لم تعد هناك سيمنارات علمية تعقد .. أو تقصى لقضايا شائكة،  كما كان يفعل مركز الاهرام للدراسات  .. ولم يعد هناك بحث  وتفسير لدلالات ومعانى  مثل “هتاف الصامتين”  كما كان يفعل سيد عويس فى مركز القومي للبحوث  الاجتماعية .

أول حجر فى هذه البحيرة الراكدة

 

محمود الشربيني :عبد الناصر هو النموذج الناهض الواجب كسره ..بحسب اوامر الاستعمار no naser again

ألهب عبد الناصر بخطابه المقاوم للظلم والاستعمار والاقطاع والاحتلال   خيال المبدعين فانعكس ذلك على  ابداعهم  شعرا وأدبًا وسينما ومسرحا .

الأمة قاومت عدوان 56 .. وحاربت فى رأس العش وشدوان وفى الادبية  والاربعين بالسويس..  وشوارع عرايشية  مصر الشهداء  فى الاسماعيلية ، وأما بورسعيد فكانت فنارًا ملهما لكل البطولات الجسورة .

وخاطب الشربيني رواد ملتقاه بقوله : هذه اول مرة تناقش فيها هذه القضية،  لذلك فأنتم اليوم أيها المبدعون وأيهاالحضور، أول من يلقم هذه البحيرة الراكدة حجرًا ..فقد يتدفق الراكد نهرًا يروي ويدرس من جديد هذه المضامين التى غرسها ، وظلت باقية تلهب الخيال،   بصرف النظر عن مدى نجاحه أو اخفاقه  هو كزعيم  فى تحقيقها ،كونها لازمة لأي أمة تنشد التحرر والاستقلال من التبعية ، مضامين عبر عنها المبدعون ، وانعكست على الابداع الادبى و الغنائي والمسرحي والسينمائي .. الذي ظل يخلق طبقات جيولوجية فى وعى الأمة ..فقاومت فى 56- وحاربت فى رأس العش وشدوان ..وخلقت المقاومة فى شوارع الادبية  والاربعين بالسويس.. والزعفرانة وعرايشية مصر وشارع الشهداء  فى الاسماعيلية  والمقاومة البطولية فى بورسعيد والتى كانت فنارًا ملهما لكل بطولات أبناء بورسعيد الجسورة .

وعلى الصعيد العربي مازال الالهام الناصري المقاوم يخلق  أنواعا أخري  من المقاومة ، فالفلسطينيون انتفضوا بالحجارة ومازالوا ، وسجنائهم يبتكرون وسائل تهز العالم مثل اضراب  الأمعاء الخاوية ، و مؤخرًا شهدنا عملاً بطوليًا مبهرًا، حيث قام ستة  من السجناء  الفلسطينيين بمقاومة رهيبة وهزموا جدران السجون  العاتيه وانتصروا عليه بملاعقهم وإرادتهم الحديدية ، وحفروا نفقًا اسطوريًا هربوا من خلاله.

وختم الشربينى حديثه بقوله: تركنا عبد الناصر لكن بقى خطابه المقاوم وبقي أكثر  إلهامه وبقى بعض انجازه .. وهو ما سنناقشه لأول مرة فى ندوتنا المتفردة .

حديث عابر عن القومية والديمقراطية والثقافة

البداية من عند الشاعر والكاتب الكبير محمود قرني فى ورقته التى ألقاها بالملتقى و عنوانها حديث عابر عن القومية والديمقراطية والثقافة ( سننشر نصها منفردا مع هذا التقرير) :

قال قرنى أن  فكرة القومية لم تنج من نقادها ؛ حتى بعد أن شارفت نهايتها مع التحولات الكبرى التي شهدها العالم عقب نهاية الحرب الباردة وإطلاق مشروع عولمة المعرفة بداية تسعينيات القرن الماضي بعد أن وصل الفكر الأورو أمريكي إلى أقصى درجات مركزيته. ولا يكاد المرء يتفهم تلك الانتقادات المُرَّة التي تعرضت لها الناصرية لاسيما في ربطها ، سببا ونتيجة ، بقوموية الزعيم الراحل ” جمال عبد الناصر” ، لكن معظم هذه الانتقادات لم يجرؤ أصحابها على التفوه بها إلا بعد رحيله ، وهذا سبب كاف لفهم جانب من الدوافع غير النزيهة ، على الأرجح ، لمن أطلقوها  وكما أشار الدكتور ” لويس عوض ” في كتابه ” أقنعة الناصرية السبعة ” إلى أن من ينتقد عبد الناصر بعد رحيله عليه أن يتأمل برقيات التهنئة التي كان يرسلها إليه مع كل قرار يتخذه . كان هذا الرد موجها لكاتب كبير هو ” توفيق الحكيم ” في مناقشة عوض لكتابه ” عودة الوعي “. ورغم وصف عوض للحكيم بأنه كاتب شريف ، وهو أمر لا مِراء فيه ، يضيف عوض : إننا جميعا ، يقصد جميع معاصريه ، مسئولون عن أمجاد عبد الناصر كما نحن مسئولون عن أخطائه أيضا كل حسب موقعه وعلمه .

الشاعر والكاتب محمود قرني


التذكير بالبديهيات واجب ثقيل

المشروع الناصري تعرض إلى حملات من الجهل والتجهيل والصفاقة وتشوش مفهوم الوطنية داخل الوطن وخارجه .

تجربة 23يوليو تبدو فى عيون منتقديها وكأنها ليست أكثر من تصور شبه فاشي يحتمى بفكرة القومية.

لويس عوض : جميع معاصريه  مسئولون عن أمجاد عبد الناصر كما نحن مسئولون عن أخطائه أيضا كل حسب موقعه وعلمه .

في هذا المناخ يبدو التذكير بالبديهيات واجبا ثقيلا أمام حملات من الجهل والتجهيل والصفاقة وتشوش مفهوم الوطنية الذي تعرض له المشروع الناصري من داخل الوطن وخارجه ، وكأن ثورة يوليو ليست أكثر من تصور شبه فاشي يحتمي بالفكرة القومية لا أكثر .

الدولة الناصرية استطاعت فى سنوات معدودات تغيير وجه الحياة المصرية .

الميثاق وثيقة فكرية رفيعة المستوى  وعظيمة الإلمام  بالنكساتالتى حلت بالأمة وبحتمية الثورة.

وقال قرنى : ولاشك أن الدولة الناصرية استطاعت ،عبر سنوات محدودة ، تغيير وجه الحياة في مصر، حيث بدأت بكسر الاحتكار الفئوي البغيض والممض للثروة والسلطة . ويعتقد الكاتب والمفكر ” محمود أمين العالم ” في مقال نشره في مجلة الهلال عام 1966 أن ” ميثاق العمل الوطني ” الذي صدر عن الثورة في عام 1962 يعد ” تاريخا جديدا للفكر في بلادنا بل في الوطن العربي كله لأنه ميثاق يبدأ بالفعل لا بالكلمة ، يبدأ بالتحقق لا بالوعد “.

المناخ الثقافى قبل الثورة لم يجد حفاوة به من قبل ثوار يوليو لأنهم لم يشكلوا معارضة جذرية للاستبداد والفساد ..

كتاب ومفكرون قبل الثورة ينطبق عليهم توصيف جرامشي “الهارب الطبقي”فقد  كان  هدفهم دائما المصالحة مع السلطة والافلات من طبقاتهم الاجتماعية.

كان تعريف الثورة للثقافة القومية يشمل كل تراثها غير المادي ، وهو أوسع تعريف ممكن للثقافة ، وهذا لا يعني بحال إهمالها لتعريفات ضيقة تشمل الإنتاج الفكري والإبداعي الرفيعين بما في ذلك كافة الفنون بطبيعة الحال ، إلا أنها لم تحتف كثيرا بالمناخ الثقافي الذي كان سائدا في الحقبة الليبرالية حسبما يرى الدكتور إسماعيل صبري عبدالله ؛ وإن لم يوضح سببا لهذا الموقف ، إلا أنني أتصور أن الأمر مرتبط بأن تلك الفئة لم تكن تمثل معارضة جذرية من أي نوع في مواجهة الفساد والطبقية والاستبداد الذي مارسته الملكية على أوسع نطاق ، وهي سمات أساسية ميزت تلك الحقبة ، بل إن الدكتور لويس عوض يرى أن هذه الفئة من المفكرين والكتاب كانوا يسعون لنوع من المصالحة الدائمة مع الوضع السياسي للملكية الحاكمة . وهو تفسير شديد الصدقية فيما أرى . فمعظم هؤلاء كانوا يمثلون برجوازية صغيرة تسعى للإفلات من طبقاتها الاجتماعية بحصد المزيد من الامتيازات المادية والمعنوية على السواء ، وهي الفئة التي أطلق عليها جرامشي صفة ” الهارب الطبقي ” .

المشروع الثقافى للثورة

ومن هنا نستطيع القول بأن المشروع الثقافي للثورة كان في جوهره محاولة لإزالة البعد الطبقي بطبيعته بين فكرة العمل العضلي والعمل الفكري ليكون المثقف في النهاية صورة صادقة للجماهير التي يتحدث باسمها أو نيابة عنها .

الحقبة الناصرية شهدت إضافات نوعية للصروح الثقافية القائمة بتحويلها القصور الملكية لمتاحف واقامة معاهد ومدارس فنية للسينما والمسرح والباليه

على مستوى الفعل فقد شهدت الحقبة الناصرية إضافات نوعية للصروح الثقافية التي كانت قائمة ، التي بدأت بتحويل القصور الملكية إلى متاحف ينعم برؤيتها عامة الشعب ، فضلا عن إقامة معاهد فنية جديدة مثل المعهد العالي للتمثيل ، معهد الكونسرفتوار ، مدرسة الباليه ، المعهد العالي للسينما ، توسيع أوركسترا القاهرة السيمفوني، إعادة تأهيل المسرح القومي ، إنشاء مسرح الجيب ، إحياء الفنون الشعبية وإقامة العشرات من قصور وبيوت الثقافة في كل ربوع مصر، وجابت قوافلها أنحاء الجمهورية ، كما تعاظم دور الإذاعة والتليفزيون وإطلاق سلسلة الألف كتاب الأولى ، وهي كلها تعكس صورة جديدة لوعي الثورة بفكرة الثقافة الشعبية وتعميم فكرة الوعي وتوسيع دائرة المعرفة باعتبار أن الحقوق الثقافية جزء لا يتجزأ من الحق في العلم والمعرفة ، من هنا اتسع مفهوم قومية المشروع السياسي والثقافي على السواء ، بعد أن وصلت المعرفة إلى أقصى القرى المصرية من شمال البلاد إلى أقصى جنوبها .

المعرفة وصلت إلى اقصى القري المصرية .. واتسع مفهوم قومية المشروع السياسي والثقافى .

حقبة لايمكن تجاوزها فى تاريخنا

وفي كل الأحوال ، فإن الزعيم جمال عبد الناصر ، ممثل لحقبة لا يمكن تجاوزها في تاريخ مصر الحديثة ، لذلك لا يمكن التعامل مع تركته باستهانة غير لائقة ولا بتبجيل يفيض عن الحاجة.

الحلقة الثانية غدا.

نون القاهرة

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى