بحكم خبرتي كمدقق مالي، يمكنني أن أؤكد أن «ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته» بشكل فعال. ولسوء الحظ، كان هذا هو الحال بالنسبة لمسألة تغير المناخ منذ بدايتها.
لقد أظهر أحدث تقرير صادر عن الأمم المتحدة (في أبريل 2022) أن الحد بشكل جدي من انبعاثات الكربون التي تلوث غلافنا الجوي يجب أن يحدث الآن وإلا فلن يحدث أبدًا، وأننا بالتالي نتجه لوضع يصبح فيه عالمنا غير صالح للحياة.
بدون رقابة فعالة، فإن التعهدات التي قدمتها الدول بشأن كبح مستوى الإجراءات المضرّة بالمناخ لا تساوي الورق الذي كُتبت عليه. هناك فجوة شاسعة بين الموعود وما تحقق على أرض الواقع.
لقد غضت بعض الحكومات الطرف عن الصناعات الملوثة للمناخ وتلاعبت بعض الشركات في أرقام انبعاثات الكربون لمواصلة عملها كالمعتاد. كما زادت انبعاثات الاحتباس الحراري في جميع القطاعات على مستوى العالم، حيث يتم التلاعب بالإحصاءات بذكاء من قبل كثيرين للتظاهر بالامتثال لقواعد الحفاظ على البيئة. ولا يمكننا محاسبة البلدان إذا لم تكن لدينا طريقة دقيقة لقياس الجهود التي تبذلها لمكافحة تغير المناخ.
من الواضح أن المساءلة البيئية تأتي مع وجود ممارسات محاسبية مناسبة بحيث تلتزم الشركات بالإبلاغ بشكل فعال عن قيمة الأضرار التي تتسبب بها للبيئة.
إن وجود هذه الشفافية يسمح بتحسين المساءلة وتوضيح ما يحدث، لأنه لا يمكنك إدارة ما لا يمكنك قياسه. يفلت الملوثون من العقاب ويجب تحسين وسائل محاسبتهم لتحفيز الشركات على الإفصاح عن أوضاعهم الحقيقية، وهو أمر ضروري للإدارة الفعالة لانبعاثات الكربون.
لقد تحدثت عن هذا النوع من التكاليف البيئية فيما سبق، في العام 1999، حيث قُدتُ فريقًا كُلِّفَ بصياغة تقرير مفصل مع خبراء دوليين من كل هيئة محاسبية في العالم بعنوان «المحاسبة وإعداد التقارير المالية للتكاليف والمسؤوليات البيئية». وكان ذلك تحت إشراف جمعية المحاسبين القانونيين العربية (ASCA) التي أنشأتها في عام 1984، وتم صياغة التقرير بالتشاور مع الأمم المتحدة ومعايير المحاسبة والإبلاغ المالي الدولية (ISAR)، بتوجيه من الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك السيد كوفي عنان.
ولأن هذا التخصص المحاسبي يتضمن طبقات من التعقيد، فقد شعرت بالحاجة إلى صياغة تقرير يقدم المساعدة للمؤسسات والهيئات التنظيمية وهيئات وضع المعايير بشأن أفضل ممارسة في محاسبة المعاملات والأحداث البيئية.
وكان الهدف هو توفير معلومات حول المركز المالي للمؤسسة بطريقة مفيدة لمجموعة واسعة من أصحاب المصلحة للقيام بعمليات اتخاذ القرار وهي ضرورية لمساءلة الإدارة عن الموارد المعهود بها إليها.
يؤثر الأداء البيئي للشركة على صحتها المالية ويمكن استخدام المعلومات المالية المتعلقة بهذا الأداء لتقييم المخاطر المالية للشركة بشكل أفضل. كما تعتبر إدارة مثل هذه المخاطر من اهتمامات مجلس الإدارة والمساهمين والمستثمرين والهيئات التنظيمية المالية.
ويهتم المالكون بذلك بشكل خاص بسبب التأثير المحتمل للتكاليف البيئية على الصحة المالية للشركة والتي تشمل عناصر مثل التكاليف المرتبطة بالأضرار البيئية وعمليات التنظيف والممتلكات والتخلص من النفايات والغرامات والعقوبات والمسؤوليات البيئية الأخرى.
بعد أن تم إعداد التقرير الذي أشرتُ إليه بجهد كبير مع إسهامات من خبراء من جميع أنحاء العالم، طلب مني السيد كوفي عنان أن أقدمه إلى لجنة خاصة ضمت سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة.
وبعد الاطلاع على التقرير والنقاش حوله بنجاح، قال السفير الأمريكي إنه لا يمكنه قبول التقرير لأن الكونغرس الأميركي لن يقبل تطبيق الإجراءات التي نصَّ عليها التقرير على الشركات الأمريكية. ونتيجة لذلك تم حفظ التقرير دون إجراء.
إن العمل الجماعي من قبل جميع دول العالم لا يعني شيئًا إذا لم تتخذ الولايات المتحدة والصين إجراءات حقيقية في مجال كبح انبعاثات الكربون.
الصين على وجه الخصوص تعتبر أسوأ ملوث في العالم من خلال بنيتها التحتية الصناعية الضخمة، وهي مسؤولة عن 30% من الانبعاثات الكربونية العالمية وحرق نصف إمدادات الفحم في العالم كل عام على الرغم من تعهد الرئيس شي جين بينغ بتقليل الانبعاثات إلى الصفر.
أما ثاني أكبر ملوث فهو الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مسؤولة عن حوالي 15% من انبعاثات الكربون في العالم. لا أحد يخضع للمساءلة ولا دليل على وجود أية نتائج لسنوات من عقد اجتماعات مؤتمر تغير المناخ.
خلال رئاسته، نفى الرئيس ترامب مرارًا وتكرارًا حقيقة مشكلة تغير المناخ بطريقة صارخة للغاية.
ولقد قدّم الرئيس بايدن وعودًا كبيرة بشأن المناخ وإن بوفاءٍ قليل لتلك الوعود. في الواقع، تجنبت الولايات المتحدة خلال العقود الستة الماضية القيام بأي إجراء جوهري في مجال تغير المناخ.
ومنذ رئاسة ليندون جونسون في عام 1965 حذّر العلماء من أن خطر أزمة المناخ كان صارخًا وأن دول العالم تغامر بشكل خطير من خلال إطلاقها لانبعاثات هائلة تؤثر على حرارة الكوكب وأن هناك حاجة مُلّحة لاتخاذ إجراءات لمعالجة ذلك.
لقد كانت صناعة الحفريات ناجحة تمامًا في نشر المعلومات المضللة، كما أن المناورات السياسية والاقتصادية في ضوء التهديد الذي يمثله تعاون روسيا والصين ربما أعاقت الإجراءات الأمريكية للحد من انبعاثاتها.
نحن نجتاز مرحلة زمنية للقرارات التي نتخذها فيها الآن تأثير مباشر على مستقبل حياة وبقاء الأجيال القادمة. لا يزال من الممكن خفض الانبعاثات بنسبة 50% بحلول عام 2030 وهو هدف حاسم للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 5.1 درجة مئوية بحلول عام 2050. ومع ذلك، فإن هذا يتطلب خفضًا عميقًا للانبعاثات ويتطلب من الصين والولايات المتحدة العمل بجدية في هذا الصدد.
ما لم يتم اتخاذ إجراءات الآن، ستغرق بعض البلدان قريبًا تحت الماء وسنشهد عددًا غير مسبوقًا من الكوارث الطبيعية، بما في ذلك موجات الحر والعواصف الضخمة وزيادة شحّ المياه وانقراض العديد من مقدراتنا الطبيعية وأنظمتنا البيئية، إلى جانب إبادة العديد من أنواع الكائنات النباتية والحيوانية. وسيؤدي هذا إلى خلل في التوازن البيئي العالمي وهو احتمال مخيف حقًا وله تداعيات لن يتمكن أي مبلغ من المال أو القوة من حلها.
ما نحتاج إليه هو جهد مشترك على جميع الجبهات، بما في ذلك تغيير أساسي يشمل أنماط حياتنا وعاداتنا، فضلاً عن السياسات الصحيحة والبنية التحتية والتكنولوجيا والمساءلة لمساعدتنا في هذا التحول.
يجب على جميع الدول تقليل إدمانها على استخدام لوقود الأحفوري بشكل كبير، وتوسيع نطاق الوصول إلى الكهرباء المستدامة، وتحسين كفاءة الطاقة، وزيادة استخدام أنواع الوقود البديلة، واستخدام التكنولوجيا للمساعدة في تجميع الكربون وتخزينه بكميات أكبر.
بصفتي رئيس اتحاد التحضر المستدام في نيويورك، أقول أنه يجب علينا المطالبة بعمل أسرع وأكبر من حكوماتنا وتطوير ثقافة العيش المستدام داخل منازلنا وأعمالنا ومدننا بسرعة. نحن بحاجة إلى وضع معايير لضمان الامتثال، حيث لا توجد محاسبة وقليل من المساءلة في الوقت الحالي.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية