نون والقلم

أسعد الجوراني يكتب: الشباب بين إقصاء العقل وتوظيف النص الديني لصالح التكفير والإرهاب

مفهوم أدلجة الدين: هو عملية تحويلية للنصوص الدينية –عن طريق التأويل- من نصوص تستهدف تحقيق كرامة الإنسان، وإخلاص العبادة لله، إلى نصوص تعطي الشرعية لمؤدلجي الدين، ودعم الله لهم في سعيهم إلى تحقيق بناء «الدولة الدينية»، وهم في الواقع إنما يعملون على توظيف الدين للسيطرة على عقول، ووجدان الكادحين، وتجييشهم في الاتجاه الذي يخدم مصالحهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

وبتعبير آخر، فأدلجة الدين هي تحويل الدين إلى إيديولوجية، والإيديولوجية، هي التعبير بواسطة الأفكار عن مصالح طبقة معينة من الطبقات القائمة في المجتمع، ليتم بذلك السطو على الدين، الذي نعتبره انتهاكا جسيما في حق الإنسانية، لأنه يجر إلى القيام بأعمال إرهابية، في كل مكان من العالم، مما يزهق آلاف الأرواح، التي لا يد لها فيما يقوم به المؤدلجون على جميع المستويات، في سعيهم إلى السيطرة على أجهزة الدولة، في مكان تواجدهم، معتبرين ذلك السعي «جهادا»، من أجل إعطاء الشرعية «الدينية» لممارساتهم التي أن لا تتوقف .

وأن البعض يعتبر أن أدلجة الدين ليست هي المشكلة، فإننا نعتبر أن أم المشاكل الكبرى في هذا العالم هي أدلجة الدين المؤدية إلى قيام التطرف، وفي جميع الديانات.

ونحن عندما نرجع إلى التاريخ، وندرسه دراسة معمقة، نجد أنه مليء بالملل، والنحل، والمذاهب، والأحزاب التي قامت، ومنذ القديم، على التأويل الإيديولوجي للنصوص الدينية، كما نجد أن معظم الحروب التي كانت تأتي على الأخضر، واليابس، وقف وراءها فهم معين للدين، وتأويل معين للنصوص الدينية، ليتحول الدين، أي دين، من دين للسلام، وتحقيق كرامة الإنسان، عن طريق بث القيم النبيلة في المسلكيات الفردية، والجماعية، إلى دين للحرب، وقطع الأيدي، والأرجل، و نشر الرعب، والإرهاب في نفوس المتدينين، وغير المتدينين، مما يؤدي إلى خضوعهم، المطلق، للدولة الدينية، التي يسيطر عليها مؤدلجو الدين، والتي لا تخدم، في العمق، إلا مصالحهم الطبقية.

ولذلك، فأدلجتهم للدين تعتبر كارثة إنسانية تقف، ومنذ القدم، وإلى يومنا هذا، وراء عشرات الآلاف من المجازر، التي تنعكس سلبا على التاريخ البشري، وعلى الطبيعة، التي تتحول بسبب الحروب، وبسبب العمليات الإرهابية، إلى مجرد خراب، ولا يمكن، أبدا، أن تقف أدلجة الدين وراء إشاعة الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، التي تتحقق من خلال كرامة الإنسان. لأن أدلجة الدين، محكومة بالمنطق الاستبدادي، الذي يعتبر، من وجهة نظرنا، جريمة ضد الإنسانية.

ومن منطلق فهمنا لأدلجة الدين، ولممارسات مؤدلجيه، نذهب إلى أنه لا علاقة للدين، بأدلجة الدين.

فالدين، وكما وضحناه في غير ما مكان من كتاباتنا، هو تعبير عن اعتقاد معين، أو عن مجموعة من المعتقدات، بواسطة القيم النبيلة، التي يعمل دين معين، أو مجموعة من الأديان، على بثها بين الناس، وجعلها جزءا لا يتجزأ من المسلكية الفردية، والجماعية في نفس الوقت، بهدف تحقيق كرامة الإنسان، كما جاء في القرآن الكريم: «و لقد كرمنا بني آدم»، وتكريم الله لبني آدم، سواء كانوا متدينين، وغير متدينين، لا يتأتى إلا ببث القيم النبيلة، عن طريق النصوص الدينية، وعن طريق الطقوس الدينية، التي تختلف من دين إلى آخر، ليتحول الإنسان في اتجاه الإنسان المثال، الذي يعتمد في التضحية من أجل خدمة الإنسانية.

أما أدلجة الدين، فهي مجموع التأويلات، التي تستهدف توظيف النصوص الدينية من أجل خدمة مصالح الطبقة المراهنة على تلك الأدلجة، ليتحول الدين، بذلك، من معتقد يسوق إلى التحلي بمجموعة من القيم النبيلة، وإلى القيام بطقوس معينة، تتناسب مع طبيعة ذلك الدين، تعبيرا عن الانتماء إلى معتقد معين، وإرضاء لله الذي بعث رسله لتعريف الناس بضرورة الإيمان بها، حتى ترتفع مكانتهم، وتحفظ كرامتهم، التي هي الغاية القصوى من الإيمان بدين معين، والتحلي بقيم ذلك الدين، إلى دين لا يخدم إلا مصالح طبقة معينة، يسعى قياديوها المؤدلجون للدين، إلى جعل الناس يعتقدون: أن الدين وسيلة تعتمد لتأطير الناس، وتجييشهم لتسييد أدلجة الدين من جهة، ولجعل المؤدلجين يكرسون الاستبداد القائم، باعتبار الدولة القائمة «دولة إسلامية»، أو يعملون على فرض استبداد بديل، عن طريق إقامة «الدولة الإسلامية».

ومعلوم أن تأويل النصوص الدينية، يختلف باختلاف التيارات، وباختلاف الأفراد داخل التيار الواحد، نظرا لاختلاف المصالح. وهو ما يعني أن أدلجة الدين، تؤدي بالضرورة إلى قيام الطوائف القائمة على أدلجة الدين، خاصة، وأننا نجد في كل بلد يسود فيه دون معين، مجموعة من الطوائف الدينية، التي يمكن أن تدخل في مرحلة معينة، في صراع تناحري طائفي، كما حصل في مجموعة من المراحل التاريخية، وكما يحصل في العديد من البلدان، وكما يمكن أن يحصل في العديد من البلدان الأخرى، وكما يمكن أن يحصل في أي بلد مستقبلا، مما يجعل الصراع ينحرف من مساره الحقيقي، ليصر صراعا دينيا ـ دينيا، أو مذهبيا ـ مذهبيا، في إطار الدين الواحد.

وهذا التعدد في التأويل المؤدلج للنصوص الدينية، سببه اختلاف المصالح الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، واختلاف درجة التطلع الطبقي، واختلاف طموحات الأفراد في إطار التيار الواحد المؤدلج للدين.

ولذلك وحسب هذه التوضيحات التي أتينا على ذكرها، فإن العلاقة بين الدين، وأدلجة الدين، غير قائمة أصلا، إلا إذا تعلق الأمر بما يمكن أن نسميه بأسر الدين بواسطة أدلجته، وعن طريق إيهام الناس بقيام التطابق بين الدين، وأدلجة الدين.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى