نون والقلم

د. وليد عتلم يكتب: الحوار الوطني المصري «يكسب»

من المفارقات أنه في نفس اليوم الذي تخرج فيه توصيات الجلسة الثانية من الحوار الوطني العراقي، أن يعلن مجلس أمناء الحوار الوطني المصري في خامس جلساته بمقر الأكاديمية الوطنية للتدريب؛ عن أسماء مقرري اللجان النوعية والفرعية والمقررين المساعدين لتلك اللجان، وذلك استكمالًا للمرحلة التحضيرية التي بدأت منذ إطلاق السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية مبادرة الحوار الوطني. لكن شتان الفارق بين الحالتين، المصرية والعراقية.

وإذا كان نشطاء «السوشيال ميديا» يتندرون بمقولة «إحنا مش زي سوريا والعراق»؛ فالحقيقة هي نعم، نحن لسنا سوريا، ولسنا العراق. وهذه هي أول وأهم تلك الاختلافات ما بين الحالتين المصرية والعراقية للحوار؛ فالحالة التي ينطلق منها الحوار الوطني المصري مختلفة عن تلك التي في العراق الشقيق؛ وعلى عكس العراق، مصر تمثل التجسيد الفعلي لمفهوم دولة المواطنة الوطنية، التي لا تعاني من أي أزمات تتعلق بالاندماج الوطني، ووحدة الهوية والنسيج، حيث ينصهر الجميع في بوتقة وطنية واحدة.

في المقابل لا يزال يعاني العراق من الآثار السلبية الضارة التي واكبت عملية تحديث الدولة ما بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، حيث تعد مشكلة تحقيق الاندماج الوطني وبناء الأمة من أعقد المشكلات التي تواجه العراق ما بعد الغزو الأمريكي عام 2003، إذ غاب الشعور بالانتماء الوطني وتجسيد مفهوم المواطنة، في مقابل ارتفاع النعرات القبلية والطائفية، والتي أصبحت تعلو على مفهوم الدولة الوطنية، حيث أصبح الصراع الطائفي /القبلي، يمثل الشكل المسيطر على الإطار الاجتماعي والسياسي، وهو ما نتج عنه تعميق الشعور بالإثنية، والعرقية والطائفية، ومن ثم المزيد من التوترات والصراعات في تجسيد واضح للعنف السياسي المؤدلج.

لذلك فقاعدة ومنطلقات كلا الحوارين مختلفة؛ فالعراق ينطلق من قاعدة الدولة «المأزومة» التي يغلب عليه طابع التنافس الإثني والطائفي، وهو ما يجعل هناك حالة من التربص والتشكك من الأطراف المشاركة تجاه بعضها البعض، وهو ما يظهر في الاتهامات المتكررة بعدم حيادية الحكومة العراقية تجاه الحوار ومخرجاته.

على الجانب الأخر في الحالة المصرية، نحن نطلق من قاعدة «الدولة الوطنية الموحدة» وبالتالي الحوار من منطق دولة تواجه تحديات، حيث الجميع متفقين أو مختلفين في الرؤى في مختلف القضايا، لكنه اختلاف واتفاق ينطلق من هوية واحدة ولصالح وطن واحد، هنا الوطن فوق الجميع، وليست المصالح السياسية أو الطائفية الضيقة.

ثاني تلك الاختلافات؛ تتعلق بعنصر الوقت، فالبعض يقارن بسرعة وتيرة الحوار الوطني العراقي مقارنة بالحوار الوطني المصري، حيث عقد الحوار العراقي جولته الأولى في السابع عشر من أغسطس الماضي، ثم الثانية في الخامس من سبتمبر الحالي، بينما الحوار الوطني المصري بدء أولى اجتماعاته في الثالث من يوليو، والاجتماع الأخير في الخامس من سبتمبر، والإعلان عن الحوار واجتماعاته التحضيرية استغرقت فترة تقارب الأربعة الأشهر، وكما ذكرت سابقاً فنحن لا نعيش «أزمة حالة» حادة تستدعي التسرع.

وبما أن الهدف حوار ينتهي بنا عبر مخرجاته إلى إقرار ركائز رئيسية وفاعلة لـ الجمهورية الجديدة، وهو ما يتطلب اِسْتِعْدَادًا جَاد ومراجعة دقيقة لكافة القضايا والموضوعات، بحيث يكون موضع تقييم جاد ما تم إقراره من سياسات وتوجهات في مختلف المجالات، ووضع مقترحات للتطوير والتحديث والبناء على تم الانتهاء إليه. وذلك على عكس الحالة العراقية التي كانت في حاجة ماسة للتلاقي والحوار لوقف التناحر السياسي ونزيف الدم العراقي الذي بلغ حد اقتحام القصر الرئاسي في تراجع واضح لسيادة الدولة وهيبتها.

انتهاءً؛ نحن نتحاور في إطار حالة من «السلم المجتمعي» نرجو من الجميع ــ إدارة حوار ومشاركين ـــ الحفاظ عليها، والاتفاق والاختلاف في إطارها، على النحو الذي يعضد، ويوطد أرضية راسخة لدولة مستقرة، موحدة ومندمجة وطنيًا كما هي عليه دائماً وأبداً.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى