نون والقلم

طارق تهامي يكتب: نفس موعد الرحيل

احتفلنا الأسبوع الماضي بذكرى زعماء الوفد سعد والنحاس وسراج الدين. واحتفال الوفديين بالزعماء يوم 23 أغسطس من كل عام سببه رحيل سعد زغلول عام 1927 ومصطفى النحاس عام 1965 في يوم 23 أغسطس، ورحيل فؤاد سراج الدين يوم 9 أغسطس عام 2000.

أما عن رحيل سعد والنحاس، فكأنه موعد متفق عليه للرحيل والصعود إلى سماء رب العالمين، صعود الروح الطيبة والنفس المطمئنة إلى بارئها، ليسجل التاريخ يوم 23 أغسطس 1927 موعدًا لرحيل سعد زغلول الزعيم الذي لم يتكرر في تاريخ مصر الحديث، ويوم 23 أغسطس 1965 موعدًا لوفاة مصطفى النحاس الزعيم الذي أحبه ربه فوضع محبته في قلوب شعبه.

الزعيمان سعد والنحاس.. ناضلا سوياً.. اعتقلا معاً.. تم نفيهما متشابكي الأيدي.. وعندما مات سعد أصاب الحزن قلب رفيقه النحاس.. الأول قضى نحبه.. وظل الثاني ينتظر.. وعندما جاء نفس يوم رحيل سعد بعد مرور 38 عاماً، قال له النحاس أنا قادم إليك يا رفيق النضال.

الزعيم الأول سعد زغلول كان دليلًا للثوار وأبًا روحيًا لهم أو كما قال عنه غاندي: «سعد زغلول معلمي».. فقد كان سعد قائدًا لحركة شعبية طاغية في مطلع عصر التنوير الذي فجرته الثورة وكان زعيمًا متسامحًا مع الآخر.. وراعيًا رسميًا لمبدأ الوحدة الوطنية، فكان دائمًا هو «نازع فتيل الفتنة».. أبداً.. لم يكن سعد مجرد رجل اختاره الناس زعيماً.. ولكنه صانع ثورة منظمة تطلب الاستقلال.. وما كتبه المؤرخون عن ثورة 19 يؤكد أنها كانت تدار عبر أربع طبقات من القيادات القوية التي وضعت أمامها هدفًا واحدًا اسمه الثورة.. وحققته.

مصطفى أمين قال في كتابه عن الثورة الأم إن سعد زغلول ترك ورقة كتب فيها «إذا اعتقلت الطبقة الأولى من قيادات الثورة تقوم الطبقة الثانية فإذا اعتقلت تقوم الثالثة، وإذا اعتقلت تقوم الرابعة» وهذا يعنى أن سعد زغلول كان يخشى من القضاء على الثورة باعتقال قياداتها أو بنشر الفوضى التي قد لا تجد من يتحكم فيها، فوضع أربع طبقات من القيادات.. وكان دور هذه الطبقات واضحًا عندما ثار الشعب للمرة الثانية عام 1921.

أما مصطفى النحاس.. فهو الرجل الذي يحبه الناس، لأنه صادق الكلمة شديد التمسك بالمبدأ.. العابد الزاهد.. لا يترك المسجد لكنه يرفض الحكم باسم الدين.. يرفض منطق الحصول على توكيل للحديث باسم الله.

القصة الأشهر التي تعبر عن زهد وتصوف وتعبد النحاس هي الحكاية التي سردها سعد فخري عبد النور سكرتير عام الوفد الأسبق.. ويقول فيها: بعد يوليو 1952 تم تحديد تحركات الزعيم مصطفى النحاس.. وكان مسجد الإمام الحسين من الأماكن المسموح له بزيارتها أسبوعياً.. وكان سعد عبد النور نجل القيادي الوفدي البارز فخري عبد النور لا يرى النحاس إلا كل يوم جمعة في مسجد الإمام الحسين بالقاهرة.. وفى إحدى المرات قال سعد عبد النور للنحاس: يا باشا أنا مسيحي.. مش معقول كل ما أحب أشوفك لازم تجبرني أدخل جامع الحسين! فرد عيه النحاس مازحاً: جرى إيه يا سعد انت ما تعرفش إن مولانا الحسين كان وفدياً!

كان رأى سعد زغلول في النحاس غريبًا جداً.. فقد كان يسميه «سيد الناس» وقال عنه: «سريع الانفعال ولكنه لا يتغير بتغير الأحوال، وطني مخلص.. وهو فقير مفلس، ذكي غاية الذكاء… وفي كل الوفاء، وله في نفسي مكان خاص».

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى