نون والقلم

د. مصطفى يوسف اللداوي يكتب: غرفةُ العمليات المشتركة حاجةٌ شعبيةٌ وضرورةٌ وطنيةٌ

لعل من أعظم إنجازات المقاومة، وأجٍّل الأعمال التي قامت بها في السنوات الأخيرة، اتفاق فصائلها وتراضي تنظيماتها على تشكيل غرفة عمليات مشتركة للمقاومة، تكون بمثابة قيادة أركان المقاومة، وخلية إدارة ضباطها، وملتقى خبرائها، يطمئن إليها شعبها، ويركن إلى قوتها أهلها، ويطمئنون جميعاً، في الوطن والشتات، إلى يقظتها وحرصها، وجاهزيتها واستعداها، ومسؤوليتها وأمانتها، ووعيها وحكمتها، ووطنيتها واستقلالية قرارها، فيسلمون لها ويطمئنون إليها، ويأمنون معها ويشعرون بالعزة والكرامة في ظلالها.

إنها غرفةٌ حقيقيةٌ تجمع أطراف المقاومة، وتوحد جهودها، وتنسق فيما بينها، وتوزع الأدوار على بعضها، وتتبادل المهام وتتفق على العمليات المشتركة، وتضع الخطط العامة وتحدد الأهداف المرجوة، وتتخذ قرارات السلم والحرب، وتقرر في الاتفاقيات والهدن، يتساوى فيها أطرافها، وتتعادل داخلها أصواتهم، فلا يتغول طرفٌ على الآخرين، ولا يستبد بالرأي آخر، أو يستفرد بالقرار فريق، ولا يستخف بالآخرين فصيل، بل تكاملٌ وتنسيقٌ، وتنافسٌ على العمل شريف، إذ المركب واحدٌ والركاب جميعاً أهل، والمصالح كلها مشتركة، والأضرار التي قد تلحق بنا عامةٌ، فإن غرق المركب خسرنا، وإن قتل الركاب هلكنا.

غرفةٌ مشتركةٌ لها نظامها وعندها برنامجها، تتفق على المبادئ وتتلاقى على الثوابت، لا تستثني أحداً، ولا تقصي طرفاً، تتمسك بالحقوق ولا تقبل بالحلول، ترفض المساومة وتصر على المنازلة، وتؤمن بالمقاومة المسلحة وتتبناها خياراً أولاً لا تفرط فيه ولا تتنازل عنه.

غرفةٌ حقيقيةٌ غير وهميةٍ، مهنيةٌ غير شكليةٍ، تلتقي عملياً، وتنسق ميدانياً، وتناقش جدياً، وتتحمل مسؤولية القرارات وطنياً، وتظهر بوحدة أطرافها واجتماع كلمتها، وجدية اجتماعاتها، وحكمة قراراتها، وخبرة ضباطها، هيبة المقاومة وإرادة قيادتها، وعلو كعبها في الميدان وجسارتها في القتال، فيخافها العدو ويحسب حسابها، ويعتقد يقيناً بقدرة أركانها وقوة مكوناتها، وصلابة مواقفها، وجدية قراراتها.

غرفةٌ مقدرةٌ محترمةٌ، لها هيبتها وعندها إرادتها، تملك قرارها وتنفذ وعيدها، جادة ومسؤولة، ملتزمة وأمينة، تتابع اجتماعاتها، وتحترم أصول عملها، وتحافظ على سرية مهامها، فلا عشوائية ولا مزاجية، ولا انتقائية أو استنسابية، ولا غضب هائج ولا سلوك طائش، ولا عمليات غير منسقة أو صواريخ غير منظمة، وإنما ضبطٌ عسكري، وأداءٌ مهنيٌّ، والتزامٌ حديدي، يحفظ المقاومة، ويصون مقدراتها، ويحمي أبناءها، ويمنع التغول على أطرافها أو الاستفراد ببعضها.

غرفةٌ مجهزةٌ متطورةٌ، لديها الإمكانات وعندها القدرات، سريعة فاعلة، نشيطة حاضرة، تجمع المعلومات وتحلل البيانات، وتطور القدرات وتعلي من قدر الكفاءات، تدرب وتؤهل، وتصقل الخبرات وتنقل التجارب، وتسلح وتطور، وتبني وتحصن، وتحافظ على المقاومة وتحصنها، وتحمي صفوفها من الاختراق والتجسس، وتمنع العدو من التغلغل والسيطرة، وتجتهد في إحباط خططه وإفشال مؤامراته، بل وخسارته وهزيمته، وقطع يده وكسر ذراعه، ليعلو صراخه متألماً، ويرتفع صوته نادماً.

حاجتنا نحن الفلسطينيين إلى مثل هذه الغرفة حاجةٌ ملحةٌ، ولعلنا تأخرنا كثيراً في تشكيلها، وأهملنا طويلاً أهميتها، فاستفرد العدو بنا ونال منا، وحقق الكثير من الأهداف في غيابها، وتضررت مصالح الشعب وشؤون الوطن لعدم وجودها، ودفع أهلنا من دمائهم وأرواحهم أثماناً باهظة، وقد كان بالإمكان تجنبها أو التقليل منها، ولكن العمل الفردي غير المنسق، والتنافس الميداني غير الشريف أحياناً، وغرور القوة القاتل، وغطرسة التفوق المُهلك، كبد شعبنا الكثير من الخسائر، ومكن للعدو منا، وحقق له في أرضنا وعلينا الكثير من المكاسب.

غرفة العمليات المشتركة التي نتطلع إليها وفق المواصفات التي ذكرنا، لا ينبغي أن تكون غرفة عملياتٍ عسكريةٍ فقط، تنشط خلال عمليات القتال وأثناء العدوان، وتضع خطط الدفاع والهجوم، وتنكفئ إذا ما توقفت رحى الحروب وسكنت منصات الصواريخ، بل يلزمنا غرفة عمليات تعمل على مدى اليوم والساعة، أولاها عسكرية، تهتم بالشؤون الفنية والعمليات العسكرية للمقاومة، وأما الثانية فهي سياسية، وهي لا تقل أهميةً عن العسكرية، بل تتوفق عليها وتوجهها، وتسبقها وتحدد مهامها وترسم مسارها، وإلا كانت المقاومة ضرباً من ضروب العنف الأعمى والقتال العبثي، ما لم تكن قيادة سياسية ترشده، وغرفة عملياتٍ توجهه.

نحن في حاجةٍ حقيقيةٍ إلى غرفة عملياتٍ بشقيها العسكري والسياسي على مستوى الوطن كله، فالوطن كله مستهدف، وشعبنا أينما كان مقصودٌ بالقتل والترويع والتهجير، والعدو لا يتوقف عن الاعتداء علينا وتنفيذ برامجه وتحقيق أهدافه، ولا يصده شيء غير القوة، ولا ينغص عليه عمله غير الوحدة، وهذه كلها تحققها غرف العمليات السياسية والعسكرية الموحدة، التي هي في الحقيقة حاجة ماسة للشعب، وضرورة ملحة للمقاومة عموماً، ولا شيء مهما كان يبرر تأخيرها، أو يجيز تعطيلها، أو يمنع تشكيلها، اللهم إلا الاختلاف السياسي والتناقض الوطني.

العدو لا يريدنا صوتاً واحداً ولا إرادة مشتركة، ولا يريد أن يرانا متفقين متحدين، ومتجانسين متوافقين، بل يريدنا متفرقين سهلين، متنافسين متناحرين، وشركاء متنافرين، وهو يتطلع لأن يستفرد ببعضنا وأن ينال منا كلنا، فلا نمكنه بضعفنا، ولا نمنحه القوة بعدم جديتنا، ولنكن مسؤولين دائماً، ومخلصين أبداً، وعاملين حقاً، بذا نحقق أهدافنا، ونصل إلى غاياتنا، ونحفظ أرضنا ونصون وطننا، ونحمي شعبنا ونرفع الرأس عالياً مفاخرين الأمم، وما ذلك علينا بعزيز إن تلاقت عزائمنا، واتفقت نوايانا، وإلا فلا تنتظروا نصراً، ولا تعدوا شعبكم بالعودة، ولا تمنوا أنفسكم باستعادة القدس وصلاةٍ المسجد الأقصى المحرر.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t   F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى