نون والقلم

د. وليد عتلم يكتب: سد النهضة في أحكام القانون الدولي

أعلنت إثيوبيا الملء الثالث لسد النهضة، وسجلت مصر اعتراضاً جديداً أمام مجلس الأمن، ورفضاً تاماً لاستمرار إثيوبيا في ملء سد النهضة بشكل أحادي، مع تأكيد رئاسي واضح بجلاءٍ تام بأنه «لن يقترب أحد من مياه مصر».

الملء الثالث هو استمرار للمسلك الإثيوبي لفرض سياسة الأمر الواقع باتخاذ قرارات أحادية وخرقها للمرة الرابعة للاتفاقيات الموقعة والأعراف الدولية، وإعلان مبادئ 2015، والإعلان الرئاسي لمجلس الأمن في سبتمبر 2021، هذه التصرفات الأحادية من الجانب الإثيوبي تثير التساؤلات حول مدى قانونية تلك التوجهات من جانب، ومدى تأثيرها على الطبيعة القانونية والتاريخية للحصص المائية الثابتة لكل من مصر والسودان والمعترف بها دوليا في ضوء الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الحاكمة لمجاري الأنهار الدولية من جانب أخر.

التوصيف القانوني لواقع نهر النيل؛ هو أنه نهر دولي بالمحددات القانونية والجغرافية والفنية، ولكونه نهر دولي؛ فهو خاضع لأحكام وقواعد ومبادئ القانون الدولي الناظمة لاستخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية، هذه المبادئ الرئيسة تتمثل في: مبدأ عدم التسبب بأضرار ملموسة وذي شأن بدول المجرى المائي الدولي، مبدأ الاستخدام العادل، والانتفاع المنصف والمعقول لمجاري المياه الدولية. ومبدأ ومفهوم الإخطار المسبق. ومبدأ التعاون القائم على حسن النية وحسن الجوار.

الإشكالية القانونية هنا أنه لا يوجد حتى الآن إطار قانوني حاكم وناظم ومتفق عليه لحوض نهر، وفي المقابل توجد مجموعة من الاتفاقيات التي وقعت منذ تسعينيات القرن التاسع عشر وحتى عام 1959، وهي الاتفاقيات التي تستند إليها كل من مصر والسودان، في حين ترفضها دول المنابع بقيادة إثيوبيا وتتنصل منها تماماً.

الأساس الرئيسي للموقف القانوني المصري يتركز بالأساس في اتفاقيات 1902، ومذكرات 1925، واتفاقية 1929، ثم اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه حوض النيل بين مصر والسودان في عام 1959، وهذه الاتفاقية مكملة لاتفاقية 1929، حيث أقرت هذه الاتفاقيات وعملت على تقنين الحقوق الأساسية للموقف المائي المصري.

في المقابل عمدت دول المنابع ـــ بعد استقلالها ـــ خاصة إثيوبيا إلى الرفض الكامل لتلك الاتفاقيات والمعاهدات وتحديداً اتفاقيتي 1929 و 1959 بزعم أن هاتين الاتفاقيتين تمنحان مصر سيطرة فعلية على النهر ومنابعه، واستندت دول المنابع إلى ما يعرف بـــ «مبدأ نيريري» عام  1964 أو ما أسماه بالصفحة البيضاء، والذي ذهب إلى أن الدولة المستقلة غير ملزمة بالمعاهدات والاتفاقيات التي وقعت في حقبة الاستعمار، وقد انضمت كل من: تنزانيا، أوغندا، وكينيا إلى «مبدأ نيريري»، وتبعهم كل من رواندا وبوروندي عقب توقيعهم على اتفاقية نهر كاجيرا عام 1977، وبالطبع كانت ولا تزال إثيوبيا أشد الدول تأييداً لذلك المبدأ وتستند إليه في رفض اتفاقيات 1929 و 1959 منذ عهد هيلاسيلاسي وحتى الآن.

كذلك يستند الموقف الإثيوبي إلى ما يعرف بنظرية «السيادة المطلقة» أو «مبدأ هارمون» الصادر عام 1895، ووفقاً لهذا المبدأ يكون لكل دولة الحق في الاستغلال الكامل والسيادة المطلقة للدول في الجزء من النهر المار بأراضيها دون اعتبار ما قد يحدثه من أضرار على الدول الأخرى، كما لا تعترف بوجود قواعد قانونية لاستخدام الأنهار الدولية.

لذلك؛ الموقف القانوني المصري هو موقفُ راسخ؛ يتسق وقواعد ومبادئ وأعراف القانون الدولي، ولا يجوز بأي حال من الأحوال لأي دولة من الدول المشاطئة في مجرى نهر النيل، أن تتجه منفردة إلى القيام بأي عمل أو تصرف من شأنه التأثير على الحقوق والمصالح المكتسبة لدول الحوض الأخرى خاصة دولتي المصب. كما أن عدم وجود إطار قانوني، أو اتفاق جامع لا يعني أن سيادة الدولة على الجزء من النهر الذي يمر بإقليمها مطلقة، إذ لا يجوز التعسف في استعمال الحق، وهناك مسئولية على جميع الدول منابع ومصب بعدم إحداث ضرر من شأنه التأثير سلبياً ومباشرةً على الاحتياجات المائية لمصر من مياه النيل.

حفظ الله مصر من كل شر وكيد.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t   F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى