نون والقلم

أسعد الجوراني يكتب: الدستور العراقي وتفاقم الأزمات السياسية

لا شك أن الدستور هو أهم وثيقة في حياة الشعوب، فهو القانون الأساسي أو ما يسمى بـ (أبو القوانين) حيث يعتمد عليه سن جميع القوانين الأخرى، وهو العقد الاجتماعي بين الشعب والسلطة الحاكمة، وتنظيم العلاقة بين الحكام وأبناء الشعب. وإذا كان الدستور بهذه المكانة والأهمية، فإن كتابته بنجاح تحتاج، في رأينا، إلى توفر ثلاثة عوامل مهمة. الأول، الاستقرار السياسي، إذ لا يمكن كتابة الدستور في مرحلة الغليان الشعبي والفوضى والتحولات السياسية والاجتماعية المتسارعة كالتي يشهدها العراق منذ سقوط الفاشية البعثية في 9/4/2003.

أخبار ذات صلة

والعامل الثاني هو توافر الخبرة والاختصاص لدى القائمين بإعداده وكتابة مسودته. والعامل الثالث، أن يُمنَح القائمون بكتابته وقتاً كافياً، سنوات بدلاً من أشهر، ودون استعجال.

فهل توفرت هذه العوامل لكتابة الدستور العراقي؟ الجواب، كلا. إذ كُتب الدستور العراقي الدائم على عجل بعد أقل من عامين فقط من سقوط حكم البعث، الأسوأ في التاريخ باستبداده المطلق، والعراق يمر في أشد مراحل تاريخه عربدة وهيجاناً، إضافة إلى ظروف الإرهاب البعثي القاعدي والجريمة المنظمة.

لذلك طالبنا مع غيرنا في وقته بتأجيل كتابة الدستور حتى تتوفر الظروف الملائمة، إذ كنا ومازلنا، نعتقد أنه كان من الضروري وضع مرحلة انتقالية ما بين 5 إلى 7 سنوات لمعالجة تركة النظام البائد وتحضير البلاد للانتقال من حكم الاستبداد المطلق إلى الديمقراطية، إذ لا يمكن كتابة الدستور وتحقيق الديمقراطية إلا بعد بناء مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية وفرض حكم القانون وتحقيق الاستقرار.

وهذا ما حصل عند كتابة الدستور في كل من ألمانيا وإيطاليا واليابان بعد إسقاط أنظمتها الفاشية بالحرب العالمية الثانية.

أما العامل الثاني، فهو أن يتم اختيار هيئة من الخبراء المتضلعين بالقانون وبكتابة الدستور، وعلى إطلاع بنماذج من دساتير الدول المختلفة في العالم، ولهم فهم عميق بتاريخ العراق ومكونات شعبه، وموروثه الاجتماعي وصراعاته ومشاكله السياسية.

وليس من الضرورة أن يكون هؤلاء الخبراء منتخبين من قبل الشعب، بل يتم اختيارهم بنفس الطريقة التي تم بها اختيار أعضاء هيئة كتابة الدستور المؤقت الذي سمي بـ (قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية). وبعد كتابة المسودة من قبل الخبراء، تعرض على البرلمان المنتخب، وعلى الشعب عن طريق وسائل الإعلام، لمناقشته بما فيه الكفاية، وخلال هذه المناقشات يتم تعديل المسودة إلى أن تصل إلى صيغتها الأخيرة المقبولة من غالبية البرلمانيين، عندئذ تعرض على الشعب للاستفتاء.

بينما الذي حصل هو أن اجريت انتخابات لأعضاء برلمان مؤقت تحت قصف الإرهابيين، واختير من بينهم 75 عضواً لكتابة الدستور، معظمهم لم يكونوا مختصين بالقانون، وفي ظروف أمنية قاهرة ومضطربة بحيث كان عدد الحاضرين لكل اجتماع لم يتجاوز ثلث الهيئة المنتخبة.. وكتب هؤلاء الدستور على عجل في حدود ثلاثة أشهر فقط .

ولهذه الأسباب مجتمعة، جاء الدستور حافلاً بالكثير من المشاكل التي ساهمت في عرقلة المسيرة الديمقراطية واستقرار البلاد، وتكريس الظروف الاستثنائية. ومن أهم المشاكل التي يعاني منها الدستور ما يلي:

أولاً: تغلب لغة إنشائية دينية على مقدمة (ديباجة) مطولة ذات صبغة طائفية لا ضرورة لها. وقد أسهمت هذه المقدمة في تكريس الصراع الطائفي.

ثانياً: تغليب النزعة الدينية على عدد من مواد الدستور بحيث جعلته مشلولاً ومتعارضاً مع الديمقراطية، خاصة في مادته الثانية التي تنص على:

أ -لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الإسلام.

ب- لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.

كما وهناك مشاكل كثيرة أخرى مثل قضية تنظيم العلاقة بين حكومات الأقاليم والحكومة المركزية، ودور الحكومة المركزية في السيطرة على الثروات الطبيعية، وإنشاء العلاقات الخارجية… الخ.

لقد جعل الدستور من حق حكومات الأقاليم، ومجالس المحافظات إقامة علاقات خارجية مع الدول الأجنبية، دون المرور بالحكومة المركزية، وبذلك فهي تخلق جواً من الفوضى وعدم تحديد المسؤولية في العلاقات الخارجية، وبالتالي إلى ضعف وتهميش الحكومة المركزية. وهذه الحالة شاذة غير موجودة في جميع الدول الفيدرالية.

كذلك من ناحية عقد اتفاقات وعقود اقتصادية مع الشركات الأجنبية حول استثمارات النفط وغيره من الثروات الطبيعية. كما وخوَّل الدستور الحكومات المحلية الاستحواذ على ما يتم اكتشافه من ثروات طبيعية في المستقبل في مناطقها وعقد الصفقات مع الشركات الأجنبية دون الرجوع إلى الحكومة المركزية والانفراد بها دون بقية الشعب. وهذا خطأ وعنصر معرقل في الدستور.

وجاء في المادة 117، (رابعاً :ـ تؤسس مكاتبٌ للاقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية، لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والانمائية).

نعتقد أن هذه الفقرة لا مبرر لها لأنها تتعارض مع صلاحيات الحكومة المركزية التي يجب أن تكون وحدها المسؤولة عن متابعة جميع العلاقات مع الخارج، بما فيها «الشؤون الثقافية والاجتماعية والإنمائية».

وهناك إهمال للمادة (142) التي نصت:

أولاً – ((يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنة من اعضائه تكون ممثلة للمكونات الرئيسية في المجتمع العراقي، مهمتها تقديم تقرير الى مجلس النواب، خلال مدة لا تتجاوز أربعه اشهر، يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن اجراؤها على الدستور، وتحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها)) .لم نسمع لحد الآن عن تشكيل هذه اللجنة ولا عما اتخذته من قرارات.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى