في الذكرى السنوية السبعين لثورة 23 يوليو 1952، يتجدد الجدل والحديث عن ثورة يوليو ما بين التأييد الشديد للثورة والمعارضة الحادة لها؛ لذا يمكن أن نطلق عليها ثورة التناقضات، فهي «عظيمة الإنجازات»، وكذلك «كثيرة النقد الأخطاء».
فهي الثورة التي عملت على استقلال القرار المصري، أقرت مجانية التعليم، وأممت قناة السويس، أنهت الاحتلال الانجليزي لمصر، ودعمت استقلال وتحرر الدول والشعوب الأفريقية. لكنها هي ذات الثورة يراها البعض أضرت بالحياة السياسية المصرية بعدما حظرت الأحزاب السياسية، وانتهجت سياسات خارجية أضرت بالوطن، بدأت بحرب اليمن وانتهت بنكسة يونيو 1967.
قطعاً؛ وعلى مدار السبعين عاماً، تعددت الكتابات التي تناولت ثورة يوليو النقد والتحليل، سلباً وإيجاباً، لكني أرى أن نقداً من جيل عاصر ثورتين ــ 25 يناير، و30 يونيوــ في عقداً واحد سوف يكون مختلفاً، بل ومفيداً، وإن كانت محددات النقد والقياس مختلفة.
هذا الجدل – ليس فقط حول ثورة يوليو ــ يثير إشكالية رئيسية تتعلق بمدى «حياد التأريخ» والكيفية التي نرصد بها أحداثنا المصيرية في تاريخ الوطن؛ فالثورات تحديداً ليست ما نشاهده على الشاشات في الأعمال الدرامية؛ لكنها حراكُ شامل، وتحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية. فمجتمع ما بعد يوليو 1952 يختلف تمام الاختلاف عن مجتمع ما قبل يوليو 1952، هذه التحولات والتغييرات التي طرأت على المجتمع لا تزال آثارها ممتدة معنا منذ سبعين عاماً وحتى اليوم. وكذلك جمهورية ما بعد 30 يونيو تختلف اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً عن جمهورية ودولة ما قبل يونيو 2013.
لذلك فحياد الرصد والتأريخ والتناول مطلوب، لأن عدم الحياد يؤدي إلى تشويه الوقائع والأشخاص؛ ثورة 30 يونيو النموذج الأبرز على ذلك؛ حيث الكتائب الإلكترونية للجماعة المحظورة وذُبابها الإلكتروني لا يتوقف على مدار الساعة عن محاولات تشويه الواقع الجديد ومنجزاته. وإن كنت أرى أن التحول الوطني والانتفاض ضد الفاشية الدينية في 30 يونيو، وما تبعه من تحول عميق في بنية المجتمع المصري: اجتماعياً، اقتصادياً، دستورياً وسياسياً، أكبر من أن يتم تشويهه، أو الانتقاص منه وإنكاره.
المفكر المصري سلامة موسى في أطروحته «كتاب الثورات» كتب واصفاً ثورة يوليو 1952؛ إن «الثورة هي تاريخ مركزي تؤدي فيها الساعة ما كانت تؤديه الأيام والشهور في الأحوال العادية؛ لذلك نجد فيها السرعة الحاسمة في التغيير وقد رفعت الثورة شبابنا من اهتماماتهم الشخصية الصغيرة إلى مستوى التاريخ، فصاروا يهتمون بإصلاح الوطن واستقلال مصر، واستقلال السودان، وزيادة أرضنا المزروعة، وإنشاء المصانع، وتقوية الجيش، ورفاهية الفلاحين والعمال».
موسى أضاف عن أهداف ثورة يوليو 1952؛ أنه «يجب أن يكون هدفنا في ثورتنا الحاضرة تغيير مستقبلنا من الانتاج الزراعي إلى الانتاج الصناعي، أو على الأقل الجمع بين الإثنين، ويجب أن يرسخ في أذهان الشعب أن الصناعة هي الحضارة، وأن أمة تعيش بالزراعة فقط لا يمكن أن تكون متمدينة بما تحمل كلمة التمدين من معاني القوة والرفاهية». هذه الكلمات التي كتبت عام 1954، نراها جميعاً تتحقق على أرض الواقع، وها هي جمهورية يونيو تجسد ثورة «العلم والعمل والأمل» التي دعت وسعت إليها ثورة يوليو 1952.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية