قال المستشار محمود فوزي، رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني، إن من أبرز القضايا الرئيسية في المحور السياسي هي الأحزاب السياسية، وهي إشارة ذات دلالة هامة.
الحوار الوطني جاء بمثابة طوق النجاة للحياة الحزبية والأحزاب السياسية في مصر؛ لذلك فإن نقطة الانطلاق الأولى في إصلاح الحياة السياسية تتمثل في إصلاح بيئة ومناخ عمل الأحزاب السياسية، لما تمثله تلك الأحزاب من أهمية لدفع العملية الديمقراطية؛ حيث يدلل سارتوري Sartori، على العلاقة بين الأحزاب السياسية والديمقراطية؛ بأن الوظيفة الديمقراطية الأساسية للأحزاب السياسية هي ربط المواطنين بالحكومة، وأنه لكي تمارس الأحزاب هذا الدور بفاعلية يتعين عليها أن تمنح فرصاً حقيقية لمشاركة مؤثرة لأعضاء الحزب وقادته والمنتسبين له في عمليات صنع القرار الحزبية.
ولما كانت كل محاولات إصلاح الحياة الحزبية تختصر كل معوقات الأحزاب في شروط حرية التأسيس، أخر تلك المحاولات كانت في 28 مارس 2011، وبناءً على موافقة مجلس الوزراء برئاسة المهندس عصام شرف صدر مرسوماً بقانون رقم (12) لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977، غير أنه أبقى على نفس الصياغة العامة المحدودة لماهية ودور الأحزاب السياسية في مصر، كما أن قانون 40 لسنة 1977 تجاهل المشاكل الداخلية للتنظيمات الحزبية، وحالة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية المصرية؛ حيث للديمقراطية داخل الأحزاب أنها تمثل أهمية قصوى لتعزيز الديمقراطية على المستوى العام، وهم في ذلك يستندون إلى أن صحة وجودة الطابع الديمقراطي للأحزاب هي من بين أهم محددات صحة وجودة الديمقراطية على المستوي العام.
عالم السياسة وأستاذ القانون الفرنسي، المتخصص في القانون الدستوري «موريس ديفرجيه»؛ يقول إن «الانتخاب هو قاعدة النمط الديمقراطي» وعلى الرغم من أن «ديفرجيه» يرى أن الأحزاب السياسية تتسم بالتناقض والازدواجية كونها ذات مظهر ديمقراطي وواقع أوليجاركي، إلا أنه عاد ليؤكد على أن الديمقراطية لا تزال هي العقيدة والمعتقد الأهم في العالم الحاضر كونها تمنح الشرعية للسلطة. وهو ما يدفع الأحزاب السياسية لوضع الديمقراطية في عين الاعتبار.
بالانتقال للأحزاب السياسية المصرية؛ فقد عانت تاريخياً من الصراعات الداخلية والانشقاقات المتتالية، فنجد داخل الحزب الواحد أكثر من جناح، تتحول فيما بعد تلك الأجنحة إلى أحزاباً سياسية، وهو ما قد يفسر بشكل جزئي زيادة عدد تلك الأحزاب وتجاوزها حاجز الـــ 100 حزب دون فاعلية تذكر، كما عانت تلك الأحزاب من غياب الديمقراطية داخلياً.
والإشكالية من وجهة نظري تتعلق أولاً بالإطار القانوني الناظم للأحزاب السياسية في مصر، حيث أري قانون الأحزاب السياسية عاماً على نحو مخل، اختصرنا كل ما يتعلق بالأحزاب ما بعد يناير 2011 في إشكالية «التأسيس بالأخطار» وكأن كل مشاكل الأحزاب توقفت على ذلك الأمر، لذلك فالدعوة مفتوحة لإعادة النظر في قانون الأحزاب السياسية ليصبح أكثر تفصيلاً، بحيث يشتمل على تحديد للأنشطة الداخلية للأحزاب، مثل النص على شروط وقواعد الانتساب والعضوية، وكذلك «قواعد استرشادية» لمسارات التصعيد والترقي وآليات المساءلة واحتواء الخلافات. الأمر الثاني يتعلق باللوائح الداخلية للأحزاب السياسية التي تعد بمثابة الدستور الحاكم للحزب، التي أصبحت بمثابة وثيقة تستخدم فقط لإكمال إجراءات التأسيس، ثم يتم إهمالها بعد ذلك.
لذلك؛ يصبح من المفيد، ومن خلال آليات الحوار الوطني ولجانه، العمل على صياغة تشريع جديد للأحزاب السياسية، يتضمن على نحو تفصيلي الجوانب والمحددات الداخلية للتنظيم والديمقراطية في الأحزاب السياسية على النحو الذي يضمن لها حد أدنى من الفاعلية، ويمكن في هذا الصدد الاستعانة بالخبرات التشريعية الدولية، النموذج الأبرز في هذا السياق: قانون الأحزاب السياسية الألماني، والذي يتناول كافة الإجراءات الشكلية والاجرائية والتنظيمية، ويعالج المشكلة الأبرز للأحزاب السياسية الخاصة بالتمويل.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية