يتحمل الفلسطينيون أنفسهم تراجع قضيتهم عن مستوى الاهتمام الدولي.
صحيح أن المستعمرة زادت من شراستها ضد الشعب الفلسطيني، وجرائم قتلها شبه اليومي، والتوسع الاستيطاني، وتدمير البيوت واقتلاع السكان، وممارسة أقصى أدوات التطهير العرقي، وفرض الأسرلة والعبرنة والتهويد، والمس بحرمة المسجد الأقصى، وفرض التقاسم الزماني على حرمته ومساحته وساحاته.
وصحيح تراجع الاهتمام العربي، والدعم، وغياب الأولوية، وبات القلق العربي من إيران وتركيا وإثيوبيا أكثر شدة من مواجهة الاحتلال لأراضي ثلاثة بلدان عربية: فلسطين وسوريا ولبنان، وأُعطي التطبيع مع المستعمرة عنواناً للتحالف، على حساب الأمن القومي العربي.
وباتت الحرب على روسيا وأوكرانيا سياسياً واقتصادياً وأمنياً أهم القضايا لدى طرفي الصراع، بهدف الحفاظ أو تغيير القطب الأميركي الواحد، حيث وضعت واشنطن أولوياتها لمصلحة صراعها ضد خصمها الاقتصادي الصين، والسياسي روسيا.
كل ذلك صحيح، ولكن منذ متى كان الوضع العربي أو الإقليمي أو الدولي نموذجياً لصالح فلسطين؟؟ .
كانت مرحلة النضال الفلسطيني سواء عبر الكفاح المسلح أو خطف الطائرات أو العمليات الاستشهادية، رغم الأخطاء والخطايا التي مورست مع مسيرة الكفاح المسلح، قد أثمرت عن تحقيق:
1- استعادة الهوية الوطنية الفلسطينية.
2- قيام مؤسسة تمثيلية موحدة: منظمة التحرير.
3- حضور سياسي عربي ودولي يُقر بحق الفلسطينيين بالدولة والاستقلال، وبالعودة واستعادة الممتلكات.
وكانت مرحلة الانتفاضة الأولى عام 1987 قد أثمرت على الاعتراف الإسرائيلي الأميركي بالعناوين الثلاثة:
1- الاعتراف بالشعب الفلسطيني.
2- الاعتراف بمنظمة التحرير.
3- الاعتراف بالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني.
وعلى قاعدة هذا الاعتراف تم:
1- الانسحاب التدريجي الإسرائيلي من المدن الفلسطينية.
2- عودة الرئيس الراحل ياسر عرفات و350 ألف فلسطيني إلى الوطن.
3- ولادة السلطة الوطنية مقدمة لقيام الدولة الفلسطينية.
وكانت الانتفاضة الثانية عام 2000 قد أجبرت شارون على الرحيل من قطاع غزة، بعد إزالة قواعد جيش الاحتلال وفكفكة المستوطنات.
نجاح اليمين الإسرائيلي أدى إلى: اغتيال إسحق رابين، ومن ثم ياسر عرفات، عودة قوات الاحتلال للاستيلاء على المدن الفلسطينية، غيّر من قواعد اللعبة السياسية، وتراجع الحضور الفلسطيني، بسبب سوء الإدارة، والتخلي عن أدوات النضال في مواجهة الاحتلال، ووقوع الانقسام بعد الانقلاب عام 2007، والخضوع للتنسيق الأمني بين رام وتل أبيب، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب.
في لقاء هام تم بين ممثلي أربعة أجهزة مخابرات عربية: مصر والأردن والسعودية والإمارات في القاهرة بشهر آب 2014، مع خمسة من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، قدم العرب خلاله النصيحة لحركة فتح القائمة على ما يلي:
1- ضرورة وحدة حركة فتح حتى تستعيد دورها القيادي وحيويتها السياسية والكفاحية.
2- ضرورة التوصل إلى التفاهم والاتفاق مع حركة حماس وإنهاء الانقسام.
حركة فتح فشلت في استعادة وحدتها بعد إجراءاتها التعسفية ضد محمد دحلان وناصر القدوة ومروان البرغوثي، وأبرز قياداتها وأقواهم، وضد العديد من كوادر فتح ورموزها الجماهيرية، كما فشلت حركة فتح في استعادة قطاع غزة إلى حضن الشرعية طوال الفترة الماضية، وهكذا ساد الانقسام والضعف، كما فشلت حركة حماس في تقديم قطاع غزة بعد انحسار قوات الاحتلال، كنموذج يُحتذى في إدارة القطاع، بل قدمته نموذجاً للتخلف والتسلط والأحادية.
حصيلة ذلك كله، حالة التراجع والانحسار، وغياب الحضور الفلسطيني اللائق، فكيف تتم مطالبة الآخرين بما لم يستطع الفلسطينيون الحفاظ عليه، أو عدم التراجع عما كانوا يملكوه ويستحقوه؟؟.
نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية