لسنوات طويلة كانت هناك ثوابت تحكم سياسات الإدارة الأمريكية، على اختلافها، في المنطقة العربية على وجه الخصوص، وهي تتعامل مع اثنين من تلك الثوابت باعتبارهما مصلحة استراتيجية أساسية، وهما إسرائيل والبترول العربي، بالإضافة بالطبع إلى أنها ترى أن التوازن والاستقرار في المنطقة هو بدوره مصلحة استراتيجية وضمان لمصالح أخرى متنوعة في المنطقة. وبالتالي ظلت الولايات المتحدة ملتزمة بأمن دول المنطقة، في إطار علاقات تبادلية متوازنة.
بعض الإدارات، خاصة في فترة حكم كل من جورج بوش (الابن)، وباراك أوباما، انتهجت سياسات تخرج عن هذا التوازن، وهو ما تحدث عنه صراحة مسؤولون بإدارة بوش، بهدف إجراء تغيرات جوهرية في دول المنطقة، تشمل هويتها الثقافية، وتاريخها، وتقاليدها، وشؤونها الاقتصادية والسياسية، وإن «معهد أمريكان إنترابرايز» بدأ هذا الاتجاه بتكليف واحد من أبرز خبرائه وهو مايكل لادين، بتنفيذ خطة مدتها عشر سنوات تبدأ من عام 2001، لإجراء هذه التغيرات.
وحين جاء أوباما في رئاسة أمريكا فإنه سار على درب بوش، بخطة تغيير الأنظمة عن طريق الفوضى، وإثارة النعرات المذهبية والطائفية.
هذه المفاهيم بدا أحياناً أنها تسكن عقول البعض من معاوني الرئيس بايدن، وهو ما أدى إلى قدر من التراخي في الوفاء بالالتزامات الأمنية مع دول المنطقة، بتغير النظرة الأمريكية إليها، باعتبار أنها في نظرهم صارت أقل أهمية للاستراتيجية الأمريكية.
وكان من نتائج هذه التوجهات ما ظهر من فتور في العلاقة مع السعودية، وانعكس ذلك على الامتناع عن اتخاذ موقف من إرهاب جماعة الحوثيين في اليمن، رغم ما جرى خلال ثلاث سنوات من تعرض منشآت بترولية، ومصالح اقتصادية في السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة للاستهداف.
ثم لاحت بوادر تغيير في الموقف الأمريكي بزيارة الرئيس بايدن المرتقبة للسعودية منتصف الشهر الحالي، وهو تحول فرضته العودة إلى الواقعية في سياسة أمريكا الخارجية، والتي تأخذ بمفهوم تبادلية المصالح، وأيضاً ما أثبتته حرب أوكرانيا من أن أمريكا لا تزال تحتاج إلى الشرق الأوسط، خاصة بعد أن باتت تعاني عجزاً في الطاقة أدى إلى خلق مصاعب على كافة أرجاء حياة الأمريكيين.
الهدف الرئيسي أن تزيد السعودية ودول الخليج من إنتاجها من البترول لمواجهة أزمة نقص البترول والغاز من روسيا، وهو من نتاج حرب أوكرانيا التي أعادت إلى الصدارة الاهتمام بالشرق الأوسط في السياسة الأمريكية.
إذن العنصر الرئيسي في الموقف هو المصلحة، لكن المصلحة عملية تبادلية. وإن مسؤوليات الولايات المتحدة في مناطق العالم، لا يمكن القيام بها من وجهة نظر واحدة، وتجاهل وجهات نظر الدول الأخرى التي ترتبط معها بعلاقات من المصالح المتبادلة، ولا بد لنا من مراعاة مصالح الآخرين.
في هذا التطور المستجد، تم الترتيب للاجتماع مع بايدن، في إطار مجلس التعاون الخليجي، بجميع أعضائه، وأيضاً بمشاركة ثلاث دول عربية، هي مصر، والأردن، والعراق.
وبالطبع سيكون هناك في أجواء هذه القمة، عرض للمتغيرات السابقة في السياسة الأمريكية، وأيضاً في توجهات لاحقة لدول المنطقة التي أقامت علاقات تعاون مع روسيا والصين. وهي توجهات طبيعية للتوازن في مسار السياسة الخارجية، بما يحقق مصالح هذه الدول أيضاً.
هذا الاجتماع يعتبر فرصة للنقاش الموسع، الذي تطرح فيه العديد من القضايا، التي يعتبر بعضها معلقاً من ناحية الولايات المتحدة، والتي تتصدرها القضية الفلسطينية، وكانت إدارة بايدن قد بادرت عقب توليه الرئاسة، بإعلان منها يدعو للتفاؤل بتأييد حل الدولتين، وهو ما رحبت به الدول العربية، والمجتمع الدولي، وعارضته إسرائيل، لكن هذه البداية المتفائلة لم يلحق بها حتى الآن قرار أمريكي يجسد تمسكها والتزامها بحل الدولتين.
وهناك أيضاً موقف أمريكا من إيران، وسعيها لإيجاد اتفاق حول التسلح النووي الإيراني. وهذا أمر لا خلاف عليه، لكن هناك خشية من أن يكون ذلك على حساب سلوكيات إيرانية في المنطقة العربية، ومنع تمددها الإقليمي.
الآن، نحن في عالم قد تغير. ومثلما قال مايكل إيليوت، البروفيسور بجامعة كولورادو، فإن اللغة والمفاهيم التي كان لها وقعها قبل 50 عاماً لم يعد لها هذا الأثر اليوم. وإن عدم القدرة على الإمساك بزمام الأحداث راجع إلى التمسك بسياسات لم تعد تتناسب مع متغيرات متسارعة.
إن الزيارة واللقاءات تأتي في ظروف مختلفة مع موقف عربي جاء معبراً عن رؤية مشتركة، تدرك مصالحها ومواطئ أقدامها.
نقلا عن صحيفة الخليج الإماراتية
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية