مشوا خلف السراب، ظنوا أنه ماء سيروي عطشهم، وبعد أن منوا النفس، ومع كل خطوة يعتقدون أنها تقربهم من هدفهم تضيع أوهامهم، إنه ليس أكثر من «هباء منثور».
تلك هي حال الذين مشوا خلف العملات الوهمية التي قالوا إنها مشفرة، البدعة التي ابتدعتها عقول تبحث عن تدمير غيرهم، وهم يخرجون بثروات لا يمكن عدها، وقد أثبت أصحاب «الآلاف» أن طمعهم في الوصول إلى الملايين لا يمكن أن يتحقق عبر خديعة لا تنطلي على المبتدئين من الشباب، من ليست لديهم خبرة، ولا يعرفون ألاعيب الأسواق، ولا يعرفون أن هناك أشخاصاً ومؤسسات وأنظمة دول عميقة ومتجذرة مهمتها سحب الفائض المالي من السذج.
نظام مالي نزل من السماء، لم نكن نعرفه قبل بضع سنوات، قالوا عنه ما لم يقله قيس في ليلى، ووصفوه بأوصاف يعجز «أبو نواس» عن وصف «المجون» بها، هكذا، دون أي مقدمات سيطرت العملات المشفرة على منصات الإعلانات الكبرى، «خادمة تشتري قصر مخدومها» و«سائق التاكسي الذي أصبح مليونيراً في بضعة أسابيع»، وجند خبراء الاقتصاد للتحليل وتوجيه كل من يطمع في ثروة، وكل من يحلم بالأموال تتسرب بين أصابعه من كثرتها، وقيل إن الأسواق الجديدة تحتاج إلى شجعان، فضربوا على صدورهم وهم يصيحون صيحة «طرزان»، وغاصوا في الوهم أكثر عندما أصبح الألف دولار عشرة آلاف، ومن تضاعف إلى آخر كانت العملة ومؤشراتها في تصاعد، حتى نزلت الكارثة على رؤوسهم.
الأفراد ذاقوا طعم الحسرة واختفوا عن الأنظار، ولكن المستثمرين الكبار، أصحاب المؤسسات التقليدية الراسخة، ومدراءها وأعضاء مجالس إداراتها، لبسوا جميعاً ربطات عنق سوداء، حداداً على موت آمالهم وأحلامهم وأوهامهم التي صدقوها، فقد أضاعوا حصيلة عمل متواصل يمتد لعقود، وتبخرت مع أموال الذين وثقوا بهم، وبدأت إعلانات الإفلاس تنشر، وقرارات التصفية تصدر..
وضاع الوهم.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية