عاد العنف الأسري والمجتمعي ليطل بوجهه القبيح على المجتمع المصري مرة أخرى، حيث تتوالى حوادث العنف والقتل والانتحار في الشارع المصري، «السوشيال ميديا» أضافت أيضاً أنماطاً جديدة ومستحدثة للجرائم، حيث أصبح الفضاء الإلكتروني قناة رئيسية لجرائم عصرية تهدد القيم المجتمعية المصرية. وهو ما يؤشر لزيادة وشيوع هذا النمط من الجرائم كنتيجة مباشرة للتراجع القيمي والأخلاقي والثقافي في المجتمع المصري.
شيوع هذه الجرائم وزيادة معدل تكرارها على هذ النحو يدعو للعمل لتحليل هذه الجرائم وتفنيد أسبابها ومصادرها، وقياس آثارها التي هي بالطبع مهددة للأمن المجتمعي.
هنا تبدو الحاجة ملحة للعودة إلى العلم والتخصص قبل الأمن، خاصة وأن التركيز الأمني منذ 2011 كان موجهاً للعنف الإجرامي الناتج عن انفلات ما بعد 2011، ثم العنف والتطرف الإرهابي ما بعد 2012/2013 وحتى تاريخه، وهي جهود وتحديات كبيرة لأجهزة الأمن.
مصر من أوائل الدول التي امتلكت «بيوت الخبرة» المتخصصة في مجال بحوث الجريمة والمجتمع، من أبرز تلك المؤسسات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أو ما يطلق عليه «معمل تحليل الجريمة» ليس هذا فقط بل وربطها بمصادرها وأسبابها المباشرة من المجتمع، حيث أنشئ المركز كمعهد قومي للبحوث الجنائية بالقانون رقم 632 لعام 1955 باعتباره هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية، واختص المعهد بشكل رئيسي في: البحث في شئون الجريمة والعقاب، بما في ذلك عوامل الجريمة والوقاية منها.
وفي تعريفه على موقعه الإلكتروني؛ يشير المركز إلى أنه «يستهدف النهوض بالبحوث العلمية التي تتناول المسائل الاجتماعية المتصلة بسائر مقومات المجتمع، والمشاكل التي يعاني منها المجتمع المصري؛ وذلك بغرض وضع الأسس اللازمة لسياسات اجتماعية رشيدة، والمساهمة في عملية صنع هذه السياسات على أساس علمي سليم. وللمركز في سبيل تحقيق أهدافه: إجراء البحوث والدراسات والإشراف عليها، تنظيم الدورات التدريبية، نشر البحوث والبيانات العلمية وتبادلها مع الجهات العلمية الأخرى، إبداء الرأي في مشروعات القوانين الخاصة بالمسائل الاجتماعية والجنائية». وهو ما يعني أن المركز يمتلك الــ (Know-how) أي معرفة كيفية القيام بشيء ما بسلاسة وكفاءة، ومؤهل لمواجهة مثل هذا النوع من الجرائم.
الآن حان دور العلم والتخصص ليتصدر الواجهة ويقوم بدوره في توعية المجتمع وإرشاده، وتقوية مناعته الأخلاقية والنفسية في مواجهة اختراقات «السوشيال ميديا» وما تحمله من ظواهر وقيم غريبة ومختلفة عن المجتمع، لذلك فالإعلام المصري مدعو إلى زيادة المساحة الإعلامية لمتخصصي المركز وأساتذته، عوضاً عن هؤلاء غير المؤهلين الذين يطلون علينا على مدار الساعة على أنهم «مدربي تنمية بشرية»، و «لايف كوتشينج – Life Coaching» وكل هذه المسميات التي أصبحت مهنة من لا مهنة له.
كذلك لابد من زيادة المساحة المخصصة لندوات المركز والاستفادة الكاملة من طاقاته وإمكانياته، في المدارس والجامعات، مراكز الشباب والأندية، وكذلك دور العبادة، خاصة وأن المجلس يتبع بصفة مباشرة ويرأس مجلس إدارته بنص القانون وزير التضامن الاجتماعي، بما يعني الاتصال المباشر بدائرة صنع القرار والتي من المهم لها استقرار المجتمع وأمنه.
نحن في حاجة شديدة لأن نفهم ماذا حدث لمجتمعاتنا ؟!!، وكنت أتمنى أن يكون هناك عمل وبحث علمي كبير وجاد تشترك فيه المراكز المتخصصة تحت إشراف مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، لتشريح العقل والشخصية المصرية والعربية والتغيرات التي طرأت عليها خاصة ما بعد أحداث الربيع العربي، والشوائب التي علقت نتاج ذلك بمجتمعاتنا، وتجسدت في حالة التردي الأخلاقي والمجتمعي. ونعم بالعلم والعمل ترتقي الأمم.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية