مازال اسم فؤاد سراج الدين هو الاسم الذي نستعيده عندما نريد الحديث عن عودة حزب الوفد.. الحزب التاريخي الذي سيبقى مهما تعرض لمحن وصعوبات، ويتساءل البعض: ما علاقة فؤاد سراج الدين بتأسيس الوفد وثورة 1919.
وقد كان حين اندلعت هذه الثورة الكبرى طفلًا صغيراً؟ الإجابة التي سوف تجدها على لسان كل وفدي هي: لولا فؤاد سراج وشخصيته وذكاؤه وصبره ما كان للوفد أن يستمر بسهولة، لأن الرجل الذي كان سكرتيرًا عامًا للوفد قبل يوليو، واجه أعاصير كثيرة منذ عام 1952، ولكنه عبرها جميعًا بسلام وتمكن من إعادة الوفد للحياة السياسية بعد غياب 25 عامًا كاملة.
والإجابة المنطقية هي أن فؤاد سراج الدين كان الرقم الصعب في معادلة بقاء الوفد واستمراره، ولذلك يعتبره الوفديين امتدادًا طبيعيًا لسعد زغلول ومصطفى النحاس، وهو جسر العبور الرسمي بين أجيال مختلفة من الوفديين الذين يدينون له بالقدرة على حماية الوفد وإعادته إلى الحياة بفضل عقلية لا تخطئ كثيراً، وقلب قوى تمكن من الركض في ماراثون الدفاع عن مبادئ ثورة 1919 بدأب وذكاء.
إذا حاولت معرفة شخصية فؤاد سراج الدين عليك أن تقرأ حكاية تؤكد لك أن الرجل كان يقوم بتشغيل عقله لصالح مصر والوفد.. لم تكن لديه هموم أخرى، ولم ينظر لمكاسب سياسية لصالح حزبه على حساب الوطن، فقد كانت المبادئ هي المحرك، وكان الوطن هو الأساس، فظل تراث فؤاد سراج الدين محركًا للوفد بعد رحيله، وظل الوفديون متمسكين بمبادئ الحزب، والتي رسخها فؤاد سراج الدين الوزير السابق لعدة وزارات، وسكرتير عام الوفد الأسبق، ورئيسه خلال الفترة من 1978 وحتى وفاته عام 2000، وهي المبادئ التي رسخها بعد إعادته للوفد عام 1977 واستمرت إلى اليوم.
الحكاية التي أريدكم تذكرها هي باختصار أن المحيطين بالملك الشاب فاروق الأول، قرروا التخلص من كل معارضي والده الملك الراحل فؤاد الأول وإسقاطهم في الانتخابات البرلمانية عام 1938، وأصدر على ماهر باشا رئيس الوزراء أوامره بإسقاط مصطفى النحاس باشا زعيم الأمة ورئيس الوفد في مسقط رأسه بدائرة سمنود بمديرية الغربية.
المعلومة وصلت النحاس الذي شعر بأن هناك مخططا لإهانة الوفد في شخصه.. وسأل معاونيه ماذا نفعل؟ كان الرأي الغالب أن الحكومة سوف تفعل ما تريد.. وبلا شك سوف تتمكن من تحقيق الهدف لأنها تملك كل شيء، المال والسلطة والملك!
لكن الشاب الذي انضم للوفد حديثًا فؤاد سراج الدين ظهر في المعادلة وقال لهم: عندي حل! قال له النحاس: قول يا فؤاد ساكت ليه؟ فرد سراج الدين: بص يا باشا.. أنت هتتقدم بشكل طبيعي في دائرتك التي ينتظرك فيها الجميع وكل أنظار الحكومة سوف تتجه إلى سمنود، لكننا سندير المعركة في دائرة أخري! قال له النحاس: إزاي يا فؤاد؟ فرد عليه سراج الدين: يا باشا إحنا هنتقدم بطلب ترشيح باسمك في دائرة الزعفران، وهي بعيدة عن الأنظار وكل من فيها رجالي وأحبابي، كما أنني أمتلك فيها أراضي كبيرة وعزبًا وأطياناً، ثم إن كل من فيها وفديون، وسوف نقوم بإقناع الجميع هناك بعدم الترشح في هذه الدائرة لأسباب سوف نعلنها فيما بعد، وطبعًا لن يكون هناك مرشح غيرك، وسوف تفوز بالتزكية!
واقتنع النحاس باشا بالفكرة وبدأ سراج الدين في تنفيذها وتقدم بأوراق ترشيح النحاس في سمنود في وقت مبكر، وتقدم بأوراق الترشيح لدائرة الزعفران قبل موعد غلق أوراق الترشيح بخمس دقائق فقط.. وتأكد سراج الدين بنفسه- من إغلاق باب الخزينة الخاصة باستلام الطلبات وتسديد الرسوم دون أن يتقدم أي منافس للنحاس فى هذه الدائرة النائية!
نجحت فكرة سراج الدين العبقرية للتحايل على رغبة القصر في إسقاط النحاس زعيم الأمة.. فلم يعد لهم حجة لأن الرجل سيفوز بالتزكية.. ولكن رجال الملك كان لهم رأى آخر، فقد وصل الخبر إلى القصر بعد نصف ساعة.. فصدرت الأوامر من فريد أبو شادي، مدير مديرية الغربية وقتها، بفتح الخزينة بعد الموعد القانوني -وإحضار أي شخص من الدائرة لتقديم أوراق ترشيح له ودفع مبلغ التأمين فورا، وفعلًا تمكنوا من إقناع شخص اسمه محمد سعيد، بالترشح وتم تزوير الانتخابات علانية وببجاحة بدلًا من التزوير المستتر، وتم إسقاط النحاس في الدائرتين ومعه كل زعماء الوفد والمعارضة في مصر حتى إن كبار رجال الوفد الذين كانوا ينجحون في كل انتخابات بالتزكية مثل مكرم عبيد في قنا، وعبدالفتاح الطويل في الإسكندرية، وأمين الوكيل في دمنهور تم الإعلان عن سقوطهم بنتائج مزرية، فقد كان التزوير بشعًا وبلا خجل.
وقد تكشفت مؤامرة التزوير بعد فضيحة الزعفران، بسبب فكرة فؤاد سراج الدين العبقرية التي جعلت شخصًا لا يعرفه أهل بلده يفوز على النحاس باشا زعيم الأمة!!
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية