هذا مقالٌ غاضب؛ هُزم المنتخب الوطني من إثيوبيا، ولم يتمكن المنتخب الوطني لكرة القدم من التأهل لكأس العالم قطر 2022 بعد الهزيمة من منتخب السنغال في المباراة الفاصلة بالعاصمة السنغالية داكار.
هناك حالة حزن عميقة لدى عموم المصريين بعد ضياع حلم التأهل للمونديال الذي كان قد سبقه خسارة نهائي بطولة الأمم الأفريقية أمام منتخب السنغال أيضاً، وقبل ذلك خسارة كأس العرب لصالح المنتخب التونسي، وسبق ذلك نتائج مخيبة للبعثة المصرية في أولمبياد طوكيو 2020.
من القصور الشديد اختزال الأمر في ذلك المدرب أو هذا اللاعب، بداية حل تلك المشكلة أن نقر ونعترف بقصور المنظومة بكاملها؛ الرياضة المصرية تعاني آفات عدة ومتراكمة.
أبرز تلك الآفات القصور والترهل الإداري المزمن الذي بلغ حد «الزبائنية الرياضية»، وهو مصطلح أشتقه من علم السياسة؛ والذي تعرفها عديد المصادر على أن كلمة الزبونية مشتقة من الكلمة الإنجليزية Clientelism، وتعني نظام سياسي واجتماعي يصف علاقات غير متكافئة وغير ندية بين مجموعات من الفاعلين السياسيين ينقسمون إلى رعاة Patrons وعملاء Clients . اصطلاحاً، يمكن تعريفها بأنها نظام اجتماعي وسياسي قائم على المحسوبية. عمل يسمح للزبائن والرعاة من الاستفادة من الدعم المشترك كونهم يوازون بعضهم البعض على أصعدة سياسية، اجتماعية، وإدارية مختلفة.
وهناك اختلاف بين علماء السياسة في تعريف المصطلح، ولكنه غالباً ما يستخدم في إطار سلبي. لارتباطه بالفساد السياسي والإداري وعرقلة مؤسسات الدولة عن القيام بأهدافها. فهل حققت الرياضة المصرية أهدافها المرجوة؟؟!!!
حتى فيما يتعلق بالتصعيد والترقي وجذب الكفاءات الشابة الجديدة؛ تفتقر الرياضة المصرية لذلك. معدل دوران النخبة الرياضية المصرية؛ فنياً وإدارياً وحتى إعلامياً بطيء جداً ومتراجع، لانزال ندور في فلك ذات الأشخاص والوجوه هي نفسها منذ التسعينات التي تتحكم في الرياضة والإعلام الرياضي، وبدلاً من التركيز على التطوير والتحديث، تفرغت تلك النخبة للصراعات الضيقة، والمصالح الخاصة فأصبحت منظومة الرياضة المصرية طاردة للكفاءات، جاذب لكل ما هو غير كفء وغير مهني.
والحل؟؟؟
الحل في ثورة إدارية من الدولة، على شاكلة ما حدث في قطاعات عديدة طالتها يد الدولة الحاسمة بالتطوير والتغيير. النموذج الأبرز على ذلك قطاع النقل والطرق والسكك الحديدية. منظومة الجمارك وغيرها من قطاعات عديدة بدأت تتنفس بعد أن طالتها رياح التغيير.
البداية تتمثل في إخضاع منظومة الرياضة المصرية لمبادئ الحوكمة إدارياً ومالياً. حيث الكيانات الرياضية المصرية (اتحادات – أندية –مراكز شباب) في حاجة ماسة لتعميق محددات الحوكمة. المتمثلة في: تعميق المؤسسية، ومعايير الشفافية والإفصاح. وتنظيم العلاقة بين مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية من ناحية، وأعضاء الجمعيات العمومية والمانحين والرعاة والممولين من ناحية أخرى.
كذلك تنظيم العلاقات ما بين الاتحادات المختلفة ومجالس إدارات الأندية التي خرجت عن مسارها الصحيح في الأونة الأخيرة، بما يعزز كفاءة أداء المؤسسات ويدعم قدرتها على أداء المهام المنوط بها، كذلك لابد من تفعيل آليات الرقابة والمساءلة الغائبة عن القطاع الرياضي في مصر.
لابد من النظر إلى الرياضة عامة، وكرة القدم خاصة على أنها صناعة، وصناعة مهمة تدر موارد ومداخيل كبيرة، تجذب أنظار الاستثمارات ورؤوس الأموال العالمية، حيث يُقدر حجم سوق الرياضة عالميا إلى 756 مليار دولار سنويا، وذلك وفقاً للتقرير الصادر عن الأمم المتحدة للشئون الاقتصادية والاجتماعية في مايو 2020، وهو نفس المبلغ الذي أشارت إليه الدكتورة غادة والي وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة.
ووفقا للتقرير، فإن تلك القيمة ترتبط بالقيمة المباشرة للصناعة الرياضية، وترتفع إلى 840 مليار دولار سنويا. إذا ما تم إضافة الصناعات غير المباشرة. وقد ترتفع قيمة النشاط إلى 1.8 تريليون دولار. إذا تم إضافة سلاسل الإنتاج في القطاعات الأخرى مثل النقل والطعام والشراب وغيرها. وفقا لشركةVALUE SPORT العالمية، ما يعني أن الرياضة شأنها شأن أي قطاع اقتصادي صناعي أخر في حاجة للمؤسسية والإدارة المهنية المحترفة.
من المهم أيضاً مراجعة الإعلام الرياضي المصري. ووضع مدونة سلوك له، أصبح مصدراً للتوتر والشحن أكثر من كونه مصدراً للاستثمار والدخل. يؤثر بالسلب على المناخ الرياضي، لذلك لابد من تحسين ومراجعة التأثير الإعلامي على منظومة الرياضة في مصر.
وانتهاءً؛ استراتيجية وطنية لصناعة الرياضة المصرية ضرورة ملحة، الإسراع في حوكمة الرياضة والإعلام الرياضي ضرورة أكثر إلحاحاً.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية