كوستا برافا الدراما اللبنانية ذات المواصفات التي صاغتها إخراجا مونيا عقل، وشاركت أيضا في كتابة السيناريو مع كلارا روكيه.
قامت بالبطولة نادين لبكي، صالح بكري، نادية شربل، سينا رستم، جينا رستم، ليليان شكار خوري، يمنى مروان وفرانسوا نور. شاهدته مؤخرا ضمن فاعليات مهرجان معهد جوتة للسينما بالقاهرة.
الفيلم صورة ضوئية للواقع اللبناني، فما يدور في الحيز العام تأثيره بالغ جداً في نفوس الناس وسلوكهم وعلاقتهم ببعضهم.
الفيلم تم عرضه لأول مرة في العالم في مهرجان البندقية السينمائي الدولي؛ واختير ليكون المشاركة اللبنانية لأفضل فيلم روائي طويل دولي في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ 94 .
إنه بمثابة الرثاء الشجي لأزمة لبنان التي يعيشها ليس فقط اقتصاديا وسياسيا، ولكن أيضا بيئيا. بالطبع كان الظهور الأول المميز للكاتبة والمخرجة مونيا عقل من خلال قصة رمزية كناقوس يدق لإنقاذ لبنان المعاصر، وبالتالي كوستا برافا، لبنان بجوهره وكيف أصبح.
إننا أمام عمل درامي مغرق في المحلية، ولكن بأسلوب مقنع وقصة رمزية سياسية موثقة.
نحن هنا نسطر السطر الأخير في آخر مساحة خضراء متبقية في المستقبل القريب في لبنان مع متابعة كوستا برافا، حيث قامت عائلة البدري ببناء منزلهم الجبلي الشاعري للهروب من القمامة المتحكمة، والتلوث السام لبيروت. إنه محاولة للعيش محاطا بالتلال الخصبة، هكذا كانت تحلم أن تعيش الأسرة المكونة من خمسة أفراد في سلام نسبي. ولكن الحلم تبخر مع قدوم المساعدون السياسيون للرئيس للإعلان عن بناء مكب نفايات جديد، خلف سور بيت العائلة مباشرة.
انتقل البطريرك وليد (صالح بكري)، المنهك من ضغوط حياة النشاط والاحتجاج، إلى هذه المدينة الفاضلة خارج الشبكة قبل ثماني سنوات. انضمت إليه زوجته المطربة الصريحة، ثريا ( كاتبة ومخرجة وممثلة من كفر ناحوم ، نادين لبكي مع ابنتهما تالا (نادية شربل)، وهي الآن مراهقة تشعر بكل ما هو معتاد لدى المراهقات، وكذلك والدة وليد، زينة لديها آراء بليغة ومدروسة. ريم البالغة من العمر 9 سنوات، هي العضو الوحيد في العشيرة الذي لم يعرف شيئًا سوى هذا الوجود الشاعري، والذي تم إدارته بشكل سيء.
إننا هنا نعيش معهم تفاصيل حياة بسيطة، حيث رعاية الخضراوات، وعصر زيت الزيتون، وتربية الدجاج، وتعليم الأطفال في المنزل.
والأهم أنهم بعاد عن بيروت بمناخه السياسي الفاسد وأكوام القمامة التي تختمر، لم يعد خيارًا مناسبًا لوليد (صالح بكري)، رغم أن زوجته ثريا المغنية سابقة، لا تزال تحلم بحياة المدينة. لتقع الصدمة على الأسرة أن الأرض المجاورة قد تم تخصيصها لموقع دفن النفايات. وهم يعرفون ما يكفي عن الحكومة ليدركوا أن الوعود المتعلقة بالحساسية البيئية جوفاء. تعرف كل من ثريا (نادين لبكي) ووليد (صالح بكري) علاقة الرئيس بالفساد السياسي، إنها مجرد مسألة وقت فقط حتى يبدأوا في حرق القمامة هنا أيضًا، مما يجعل المنزل الهادئ غير صالح للسكن.
افتتحت عقل الفيلم بإشارة إلى اللقطة الافتتاحية لفيلليني La Dolce Vita. لكن بدلًا من انزلاق تمثال المسيح فوق أطراف روما، نشاهد تمثالًا ملموسًا للرئيس يتم نقله، بشكل مخزي، على شاحنة مسطحة عبر القمامة المكدسة في أطراف بيروت غير الصحية. لقد اتضح أنه مقدر له أن ينحدر على التل أسفل مسكن عائلة بكري مباشرة، وهو نذير لتدفق المزيد من الزوار غير المرغوب فيهم من العمال ومدير موقع شاب وسيم.
لقد استقبلهما وليد وابنته الصغرى ريم (قام بدورهما توأمين متماثلان سينا وجينا ريستوم. ريم تقذف الحجارة على الرجال، بينما يطلق والدها النار على الخناجر بعيون متوهجة فوق السياج الفاصل. لكن بقية أفراد الأسرة أكثر استعدادًا. والدة وليد المريضة زينة تسخر العمال لشراء علب السجائر المحرمة. ثريا، المعترف بها من قبل المعجبين الذين نشأوا وهم يستمعون إلى موسيقاها، لا يسعها إلا أن تعزف للجمهور مرة أخرى. وتعيش تالا (نادية شربل) البالغة من العمر 17 عامًا، الابنة الكبرى لبكري، والتي كانت مراهقتها منعزلة، أول صحوتها الجنسية.
وسرعان ما انتشرت السموم من مكب النفايات إلى الأرض والهواء ويتم حرق القمامة بشكل غير قانوني. بمجرد أن ابتعدت أعين وسائل الإعلام عن الموقع، مثل كل الحملات الأخرى الوعود التي قُدمت في الانتخابات، وتم تجاوزها.
الضجيج المنبعث من المكب، وموسيقى البوب الصاخبة هي نوع آخر من التلوث، وهي نقطة أكدها تصميم الصوت للفيلم.
وهكذا تتسرب السمية إلى العلاقات الأسرية. مشهد جميل يظهر الأم وهي تروي لبناتها (ريم تتلوى، تالا رابت) قصة كيف قابلت والدهما. كان ذلك بعد احتجاج عنيف في المدينة. لقد سكبت الويسكي عن غير قصد على جروحه، ثم ضحك لأنه أثار ضجة حول ذلك. لكن المعنى الضمني واضح للزواج وجذوره في المعارضة، من الصعب عدم اعتبار هذا الانسحاب إلى التلال نوعًا من الهزيمة.
أدى وصول مكب النفايات إلى إحداث شرخ في صدع كان قد تشكل بالفعل بين وليد وثريا، اللذين انقسما حول مسألة أفضل مكان للقتال من أجل الحياة التي يريدونها لأطفالهم إما في المنزل المحاصر أو العودة إلى خط المواجهة في بيروت.
هذا كله سيسهم في تأجيج الصراعات العائلية ويفتح المجال لتوترات حادة، فلا أحد سيطيق الآخر بعد الآن، والكل سيتحامل على الكل، فيحمله مسؤولية المأساة، والجميع يتقاذفون التهم بلا أي رحمة.
الواضح أن عقل استغلت، ولو جزئياً، أزمة النفايات في لبنان عام 2015، والتي حشدت الكثيرين من النشطاء حتى الانهيار المالي الأخير وانتشار جائحة عالمي معين قلب العديد من المكاسب والآمال. ومع ذلك، في هذا الإطار الخيالي، تظهر العوائق النظامية الشاملة كأدوات ذات ثقل ثقيل لجعل النقاط السياسية سهلة، وإن كانت لا تزال مفهومة للغاية.
ومع ذلك هناك وقت للاستمتاع بالديناميات العائلية المحفورة بشكل مقنع التي استحضرت عقل وفنانيها، ولا سيما رجولة وليد رجل الغابة، والتي تفكك كلما زاد تأكيد العديد من النساء في حياته لوجهات نظرهن الشخصية. لقد ضحى من أجل دعم رغبات مجتمعه الرافضة.
توضح العديد من أفضل المشاهد في كوستا برافا بلبنان الشوق الداخلي للشخصيات عبر الخيال. في أحد المشاهد الليلية، سقطت ثريا في نشوة في غرفة تبدأ فجأة في التحرك مثل قاطرة. وليد يحصل على رحلة خيالية رائعة الجمال، حيث يتخيل. عند أدنى نقطة عاطفية، كل أكياس القمامة في مكب النفايات ترتفع إلى السماء مثل فوانيس السماء.
مونيا عقل سبق أن قدمت فيلماً قصيراً في عنوان «سبمارين» (2016)، تناول أزمة النفايات اللبنانية التي نشبت في صيف 2015. وبالتالي «كوستا برافا» هو نوع من امتداد أو بلورة للفيلم القصير ذاك. وهذه ظاهرة انتشرت أخيراً، أي إنجاز فيلم قصير عن قضية معينة ثم بلورتها في فيلم طويل. والحق أن كثيراً من هذه المحاولات لتطويل الفيلم لا تصمد أمام امتحان الزمن. لكونها أبصرت النور لتعالج في زمن محدود، لذا فإن كثيراً من هذه الأفلام تولد ميتة.
وفي النهاية «كوستا برافا» كان يحتاج بعض الهدوء الذي لن يخفف من غضب الفيلم العارم ولن يلغيه. بل على العكس كل هذا الصراخ الذي لا يُطاق بين الشخصيات يجعله فيلماً هستيرياً بخطاب غير واضح وغير محدد. ويعلو الصراخ لأن الممثلين غير قادرين على أي شيء سوى اللجوء إلى أصواتهم في غياب تام لحوارات ذكية. وفي ظل انعدام كامل لما يريدون توصيله.
هناك أشياء ضاعت من يد مونيا عقل، على رأسها الفكرة التي يمكن المراهنة عليها. فحتى المشهد حيث الأب يتخيل أكياس النفايات وهي تحلق إلى السماء نوع من سد فراغ لانعدام الخيال الذي يضرب الفيلم من البداية حتى النهاية.
من المعروف أن مونيا عقل ولدت في لبنان. حصلت على ماجستير في الإخراج في جامعة كولومبيا. أعمالها الإخراجية تضمنت الأفلام القصيرة بيروت، أنا أحبك (أنا أحبك لا).
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية