كانوا يتقافزون في الهواء عندما أصبحت الألف عشرة آلاف في طرفة عين بسوق العملات المشفّرة.
وتراكضوا، كل الطامعين في أن يصبحوا من الأثرياء المعدودين في حجم ثرواتهم، ومن الذين يكدّسون حسابات مصرفية كلها أصفار على اليمين، ومن أولئك الذين يحلمون بأن يركبوا «رولز رويس»، وتكون لديهم طائرة خاصة مثل «فيفي»، أو يخت يشق عباب البحار وهم يتشمّسون.
لهثوا خلف الثروة الموعودة، تقطّعت أنفاسهم، بعضهم جمع شقاء عمره، ودخل المغامرة، وبعضهم باع أملاكه التجارية، رخص رابحة وبنايات توفر لهم دخلاً ثابتاً، يسترهم ويوفّر لعائلاتهم حياة كريمة، والبعض الآخر وعد أطفاله باستبدال بيتهم المتواضع بقصر بعد عدة أشهر، فنقلهم إلى بيت مستأجر وباع البيت الذي كان يؤوي أسرته، أما البعض الآخر فقد رهن كل شيء، الأسهم والسيارات ولم يبق له غير أطفاله، كان سيرهنهم لو أن القانون يسمح له!
سحبتهم أمواج الطفرة، أخذتهم إلى أعماق المقامرة، هناك حيث كل شيء لونه داكن السواد، هناك حيث ترى أوهاماً تحت قدميك، أما المستقبل فهو معتم، غير منظور، وغير محسوب، ولا يمكن لأي شخص في هذا العالم الجشع أن يتوقعه، فقط أخبار «إيلون ماسك» وغيره من أصحاب المليارات ترن في آذانهم، تحدثهم عن مليارات جديدة أضيفت إلى ملياراتهم، وهم نائمون أو مستلقون على شواطئ جزرهم الخاصة في المناطق الدافئة.
قيل لهم إن ما يحدث غير طبيعي، فاستنكروا ذلك القول، وغاصوا حتى تقطّعت أنفاسهم، وفجأة انهارت الدنيا أمامهم. وتساقطوا وهم ينوحون، ويلطمون خدودهم. مثل النائحات في بيوت العزاء، ذهب كل شيء، تبخّرت الملايين حتى أصبحت بضعة دولارات.
هذه هي العملات المشفّرة، الخديعة الكبرى، والوهم الذي فطر قلوب كل الذين أرادوا أن يكونوا ضمن القائمة المميّزة في العالم. والعالم مليء بالمحتالين، ممن لا ذمّة لهم ولا دين.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية