نون والقلم

د. وليد عتلم يكتب: حكاية المخالفات في مصر

ما إن هدأت يد الدولة وانصرفت إلى مواجهة التحديات والمستجدات الاقتصادية الضاغطة، وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، حتى عادت المخالفات لتطل بوجهها القبيح مرة أخرى.

في حي العمرانية الشرقية؛ وعلى مسافة قصيرة من مبنى المحافظة، ومكتب السيد محافظ الجيزة، في شارع مكتب بريد العمرانية الشرقية يقبع العقار رقم (17)، الذي استيقظ سُكانه وقاطنيه على تأجير أحد المحلات أسفل العقار لورشة نجارة تعمل بمعدات كهربائية كبيرة، دون ترخيص، ودون حد أدنى لمعايير واشتراطات الأمن الصناعي والحماية المدنية، وبالطبع تسرق التيار الكهربي، وقطعاً غير مسجلة بالأساس بالضرائب، تسبب إزعاج كبير لنحو أكثر من 30 أسرة متضررون أشد الضرر من الإزعاج على مدار الساعة، والأخطر من ذلك تهديد سلامة العقار بشكل مباشر.

قانون المحال العامة رقم 154 لسنة 2019 نظم العقوبات الخاصة بفتح وتشغيل محل أو منشأة بدون ترخيص، كما أنه وضع حداً لتجاوزات بعض المنشآت التي أصبحت بلا حدود، وتصل العقوبة إلى حد غلق النشاط المزعج، حيث نص في المادة (24)، أنه يجوز غلق المحل العام إداريا في الأحوال الآتية: فقرة (3) «مخالفة شروط السلامة أو الصحة المهنية أو الحماية المدنية»، فقرة (8) «إذا نجم عن مباشرة النشاط التجاري إزعاج جسيم يضر براحة القاطنين المجاورين له».

السكان لم يجدوا من سبيل سوى اللجوء لمنظومة الشكاوى الحكومية الموحدة التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، حيث تم تقديم عديد الشكاوى حملت أرقام (5046028- 5039194) وغيرها، خاصة وأن مسئولي حي العمرانية الشرقية حال التوجه إليهم بالشكوى أفادوا بأنهم لا يتحركون لإزالة ومتابعة مخالفة واحدة، بل ينتظرون تجميع عدد من المخالفات للتعامل معها (لزوم التصوير والسوشيال ميديا وغيره يا أستاذ)!!!.

حكاية المخالفات في الجيزة هي حكاية المخالفات في عموم مصر؛ تتمثل في ثلاث ملاحظات رئيسية أرجو أن يتعامل معها قانون المحليات القادم، وهي:

أولاً: التفاوت الكبير في الأداء ما بين المستوى المركزي للحكم المحلي ممثلاً في المحافظ ونوابه والسكرتير العام، وبين مستوى الأحياء والقرى.

الملحوظة الثالثة: تتعلق بسرعة الإنجاز والتعامل السريع مع المخالفات. فالتأخير من قبل الأجهزة المعنية ينتج عنه الاحتكاك المباشر بين السكان والمخالفين في غياب القانون ما قد ينتج عنه ما لا يحمد عقباه.

الملحوظة الثالثة تتعلق بمدركات المواطن نفسه تجاه المخالفات. ما بين مواطن يبحث في المقام الأول عن المخالفة للتهرب من رسوم وضرائب وخلافه. وبين مواطن يتغافل عن ابلاغ الأجهزة المعنية.

وكعادة كل مخالف في مصر نجد في حالة عقار العمرانية. أن مالك المحل لا يقيم بالأساس في العمارة، وبالتالي فهو غير متضرر.

دولة 30 يونيو وعلى مدار الثلاث سنوات السابقة واجهت وبكل حزم مئات المخالفات. بغض النظر عن أسماء ومناصب أصحابها. والجيزة تحديداً خير شاهد ودليل على ذلك. يكفي أنه في فبراير 2021 قامت المحافظة بغلق وتشميع 255 منشأة صناعية. ومخازن ومصانع وورش داخل كتل سكنية غير ملتزمة بإجراءات السلامة العامة واشتراطات الحماية المدنية.

كان الله في عون السيد محافظ الجيزة اللواء أحمد راشد، وهو رجل قانون حازم. ونوابه الأكفاء السيد إبراهيم الشهابي، والسيدة هند عبد الحليم. من حمل المسئولية الثقيلة؛ فالجيزة محافظة مترامية الأطراف والمساحة. مكتظة بالسكان والوافدين من المحافظات الأخرى. لذلك فالمشاكل الإدارية والمحلية متراكمة، معقدة ومتشابكة. لكن أعتقد أنه لن ننتظر حتى تتكرر كارثة حريق عمارة الدائري بالهرم. أو مأساة انهيار عقار جسر السويس المنهار الذي كان به مخزن ومصنع للملابس بالبدروم. نتيجة التأخر في التعاطي مع المخالفة.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

–  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدول

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى