وكانت أختها الكبرى تستعد لترتيبات الخطوبة، حاولت الأم منع زوجها من ذلك قالت له «أرجوك لا تفعل هذا حتى لو كنت ترفض الأستاذ فسوف نحاول أن نتفهمك. لكن لا تفرض عليها رجلا لا تحبه، لا يوجد أي سبب يدفعك لذلك».
اقرأ أيضا:
-
صراع مليكة مع القهر.. رواية جديدة للإعلامية التونسية فريهان طايع (1-2)
-
«صراع مع الماضي» رواية جديدة للإعلامية التونسية فريهان طايع (3-3)
-
فريهان طايع تكتب: الزواج العرفي إهدار لسمعة المرأة
-
«صراع مع الماضي» رواية جديدة للإعلامية التونسية فريهان طايع (2-3)
نظر لها بنظرة غضب وتركها تبكي ولم يفكر حتى في تغيير وجهة نظره، جاءت أحد صديقاتها من العائلة وجدت مليكة تبكي سألتها: «ما بك لماذا كل هذا البكاء»؟
أخبرتها كل القصة وكانت تصرخ «لا أريده، لا أريده»، سوف أفقد عقلي مع هؤلاء، لا أريده، كيف أتزوج من رجلا وأنا أحب غيره، في أي دستور عدالة هذا.
كانت منهارة وقالت لها «أرجوكي، ساعديني، أرجوكي أخبريه بما حدث، أرجوكي أخبريه أنني وفية له، لا أريد أن يفكر يوما بأنني خنت وعدنا».
حضنتها وكانت تبكي لكنها لم تستطع أن تفعل شيء، قالت له «سوف أخذ مليكة لمنزلنا لفترة، لتتغير حالتها النفسية، لأنني شعرت أنها مرتبكة ».
قال لها «لا بأس»، وفعلا بقيت فترة لدى صديقتها وتحسنت قليلا وكانت تفكر في إيجاد حل، لكن ابنته الكبرى كانت توسوس في عقله.
قالت له «لا تسمح لها بالبقاء خارج المنزل، فقد تهرب»، لم يخطر في باله هذه الفكرة لأنها في منزل أقربائه، لكنه سرعان ما امتطى سيارته مسرعا نحو منزل أقربائه
حيث أخبرته أنها لن تعود معه ولن تتزوج من شخص لا تريده، و تصاعد الجدال بينهما وأخذها رغما عنها للمنزل، وضربها، مسكها من شعرها في وسط أخواتها، لم يحرك أحدا منهم ساكن .
كانت تصرخ وتصرخ لم يغثها أحد، شعرت بالإهانة والذل والقهر والظلم، كانت تعاني من اكتئاب أفقدها كل معاني وجودها، كانت تبكي لساعات طويلة ولأيام وشهور.
لم يعد لديها خيار، أصبحت أمام الأمر الواقع، لا يوجد لديها أي مفر، ستصبح زوجة لرجل لا تحبه، حكمت عائلتها على نهاية قصة حب بريئة بالإعدام.
كانت في قمة الوجع وهم يستعدون لشنقها على منصة الإعدام، كانت تصرخ وهم يختارون ألوان فساتين حفل خطبتها، كانوا يختارون لها اللون الأبيض لفستان خطوبتها، وهي التي أصبحت تنظر له كفن.
كانوا سعداء وهي مجروحة مثل الطائر المجروح، لم يحرك أحد ساكن لمد يد المساعدة إليها، كانت تختنق بالبطيء بحبل سلطوه على عنقها، قتلوها مرار المرات وهي تنظر وتتحسر من الألم، كانت تصرخ وتصرخ لكن صراخها غير مسموع لدى الضمائر المعدومة.
كانوا يرسلون بطاقات الدعوة وهي تنهار كل يوم، كل يوم كانت تقول لا، لكن صوتهم طغى على كل شيء.
في تلك الأيام عاد أخيها الأكبر من السفر، لم تخبره شيء، ولم يكن يعلم ما حدث، كان يظن أنها اختارت العريس مثلما أوهموه وأنها سعيدة،كان يعاني من حمى وجلس في غرفته بمفرده، ومليكة قررت في ذلك الحين أن تنهي حياتها، لم تعد قادرة أن تصارع، رجع بها كل شريط ذكرياتها، شعرت أنها في كابوس، قررت أن تلبس الكفن على أن تتزوج من شخص لا تريده، كان قلبها يحترق ويعتصر الألم، شعرت أنه لا يوجد أي أمل يدفعها للحياة .
تخيلت كيف سوف يكون مستقبلها في وسط جحيم اختاروه لها، قالت «الموت أفضل من أن أخضع لظلمهم»، لم يعد لديا أي شعاع أمل في الحياة، دمروا كل أحلامي، سرقوا مني كل شيء، فرقوا بيني وبين من أحب، أكرههم، لن أكون لقريبهم الثري».
أنا قلبي سوف يبقى لمن أحب ذلك الفقير الشهم، لا أستطيع أن اختار نهاية أخرى لم يتركوا لي فرصة للاختيار، ظلمهم قتلني، ذبحني، أطفأ كل نور بداخلي، سوف أطفئ الشمعة الأخيرة بنفسي».
تناولت الأدوية، ثم ذهبت لغرفة أختها ونامت، حاولت أختها أن توقظها لكنها لم تستجب، صرخت تنادي أخيها الأكبر، «الحقني، مليكة لا تتكلم».
اقترب منها كان يصرخ، «مليكة ماذا حدث لكي، مليكة أجيبيني»، لكنها لم ترد.
حملها بين ذراعيه وكان يصرخ، «افتحوا باب السيارة بسرعة»، امتطى السيارة وكان مسرعا نحو المستشفى، وما إن وصل فحصها الطبيب، وقال لهم «أعتذر، البقاء لله قد غادرت الحياة من ربع ساعة».
صرخ أخاها وكان يبكي وأغمى عليه، لم يتحمل قلبه أن أخته قد ماتت بين يديه وأصيب بالقلب، قام الطبيب بتشريح جثة مليكة وعاين سبب الوفاة وهو تناول جرعة زائدة من الأدوية.
انهارت والدتها، كانت تصرخ من الألم، قد تمزقت روحها، قد فقدت ابنتها التي كانت تحبها كثيرا بسببهم، تحول منزلهم من حفل إلى جنازة، ومثلما يقولون، قتلوا الميت وشيعوا جنازته، دفنت مليكة وكانت أول ضحية لهم.
لم تتحمل والدتها ألم فراقها لسنوات كانت تعاني، تدهورت حالتها النفسية ومرضت بسببهم، مرضت بسبب طغيانهم وظلمهم، بسبب غياب ضمائرهم، شعرت أنها لم تربي أبناء بل شبه أشكال على شكل بشر.
كانت تصارع في والدهم الظالم وفي أبنائها، لم يقدم لها يد العون إلا ابنها الأكبر، حاول أن يساعدها رغم وجعه هو أيضا وهو الذي لم يعلم حتى لماذا ماتت أخته وأخفوا عنه كل الحقائق.
صارعت الأم لسنوات وهي تتألم من أجل مليكة من ثم التحقت بها وفارقت الحياة .
أصيب ابنها الأكبر بجلطة وأصبح لديه السكر لأنه لم يتحمل وفاتها، وفاتها قد كسره حين تلقى مكالمة هاتفية من أخاه الذي أيقظه من نومه دون حتى تمهيد صدمه بخبر وفاة أمه الغالية على قلبه .
دفنوا أمهم أيضا بجانب مليكة، ولكن لم يحرك لهم ساكن إلا عندما حلت لعنة ظلمهم لمليكة وأمهم عليهم، عندما تزوج والدهم بامرأة أخرى بعد وفاة والدتهم مباشرة .
لكن لم يتغيروا ولازالوا يتظالمون بينهم، ولازالوا في صراع أدى إلى نهاية تراجيدية وهي وفاة أخاهم الأصغر بسبب صراعاتهم اللامتناهية حيث مرض هو أيضا ولم يتحمل وغادر الحياة بسرعة .
حلت لعنة مليكة عليهم جميعا وسرقت راحة بالهم، رحلت عنهم منذ سنوات لكن روحها لازالت تنتظر الإنصاف والعدالة التي لم تتحقق، لازالت روحها معلقة بين السماء والأرض تسألهم بأي ذنب سرقوا أحلامها وحياتها، وسرقوا منها الفستان الأبيض وحكموا عليها بالكفن.
هي الآن تنتظر العدالة من قاضي السماء، هي الآن بين يدي الله والله وحده يعلم مصيرها وهو أرحم بها من أي شيء في الدنيا وأحن عليها من عائلتها الذين اختاروا نهايتها التراجيدية بأنفسهم بدون شفقة وإحساس .
و مثلما يقولون «وين تروح يا ظالم من كل هاي المظالم ».
قصة مليكة ليست قصة من وحي الخيال بل قصة واقعية حدثت على أرض الواقع، ودفنت مليكة منذ سنوات ودفنت كل أحلامها وذكرياتها معها تحت التراب.
نون – خاص
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدول