أصدرت الكاتبة والإعلامية التونسية فريهان طايع، رواية جديدة حملت عنوان «صراع مليكة مع القهر»، وينشر موقع «نون أون لاين»، عرض للرواية الجديدة، من منطلق حرصه على المشاركة في نشر الإبداعات الفنية والثقافية في مصر والوطن العربي.
اقرأ أيضا:
-
«صراع مع الماضي» رواية جديدة للإعلامية التونسية فريهان طايع (3-3)
-
«صراع مع الماضي» رواية جديدة للإعلامية التونسية فريهان طايع (2-3)
-
فريهان طايع تكتب: الزواج العرفي إهدار لسمعة المرأة
-
«صراع مع الماضي» رواية جديدة للإعلامية التونسية فريهان طايع (1-3)
مليكة هكذا كان اسمها فتاة في غاية الجمال، من عائلة ذات حسب ونسب، مثقفة، هادئة، جذابة، كل من كان ينظر إليها يعجب بها، لكن قصتها حزينة جدا، لم تكن محظوظة بعائلتها وكانوا سبب معاناتها.
مليكة لم تكن اجتماعية كان لمليكة عالمها الخاص، عالم تختفي فيه من ضجة الجميع، عالم تختفي فيه من أشخاص تشعر بالغربة بينهم. لم تكن في مكر أخواتها البنات هي مختلفة تمام عنهن ،أحيانا تتساءل كيف لها أخوات مثلهن، أختها الكبرى كانت الأفعى السامة في البيت، تسرق الأضواء من الجميع حتى من والدتها التي كانت تلغي وجودها فقط كي تثبت نفسها بطريقة مستفزة، وهي لا تهتم بالمشاعر والأخلاق والأحاسيس ولا تشعر حتى بوالدتها كل همها أن تكون المقربة لدى والدها الذي كان جبروة، رجل ليست له أي مشاعر، قاسي جدا، رجل مراهق لا يتحمل أي مسؤوليات بل كان كثيرا ما يقيم الحفلات الصاخبة و يدعو جميع أصدقائه.
كان يلقب بسيد الأسياد، رجلا يخاف منه الجميع، وكان يملك شركة مقاولات، لدى هذا الرجل زوجة راقية، جميلة، وأم مثالية لأبنائها لطالما قدمت لهم حبها وحنانها وعطفها، لكنها قد عانت من عدم وفائه وإخلاصه، كانت تعتصر من الألم من تصرفات هذا الرجل الذي لم يحترم مشاعرها يوما بل كان يؤذيها حتى أمام أبنائها ويخونها أمام العلن.
كثيرا ما كانت تشعر بالوجع وخيبة الآمال لكنها كانت تناضل من أجل أبنائها وكانت تحب مليكة من بناتها لأنها الحنونة والمرحة وكانت تحب ابنها الأكبر الأكثر من بين أخواته لأنها كانت تشعر أنه سندها من بينهم جميعا، لكنه كان دائما ما يسافر لأنه كان يكره تصرفات والده ولم يكن يريد أن يعتمد عليه ماديا فكان يسافر ويعمل وجنى ثروته بنفسه ومن ثم عاد كي يتقدم للفتاة التي أحبها قلبه، لم تكن مليكة تخبر أخاها الأكبر بتفاصيل حياتها ولم تكن تخبر أحد بمشاعرها، بل كانت كتومة جدا.
كانت تحب والدتها لكن تكره أباها في كل نفس من أنفاسها، كانت تشعر أنه دمر كل أحلامها وأنه دائما ما يقف وراء نجاحها، كانت تلعن وجوده في حياتها، لكن كان قدرها، لم تعجبها يوما تصرفات أخواتها البنات ولا حتى الشباب، أوسطهم كان أخاها الأناني الذي كان يحبذ مصالحه الشخصية على كل المصالح حيث وصل به الأمر بأن يتسلط على كل ميراث أخواته حيث تمكن ببراعة بإقناع والده بأن يكتب له كل ثروته من فيلات وعقارات وأقصى كل أخواته.
وكان مثل أخته تماما يتقرب لوالده ويحارب والدته ومثله أخاه الثاني، لكن أخاهم الأصغر كان مشاكس لكنه كان طيب القلب هذا القلب الذي قضى عليه في النهاية، هو كان مختلف وكان يكره والده هو أيضا وكثيرا ما كانت تحصل بينهما اختلافات.
مليكة كانت تشعر بأنها غريبة رغم وجود عائلتها العريقة، كانت تحارب كل يوم نفسها التي تأبى العيش معهم، كانت تطوق إلى الحب الذي يحررها، كانت تنظر للسماء بحزن، كل ليلة كانت تسرد وجعها لنجوم، هي مختلفة عن عالم اختنقت فيه بالبطيء.
كانت تدون كل شيء في دفتر مذاكرتها.. دفتر كتبت فيه «أنا أشعر بالغربة وسط أشخاص لا أفهمهم أبي ليس إلا البرجوازي الديكتاتور، الذي يعتقد أنه سوف يشتري الجميع بماله ونفوذه.. أخواتي، أشعر فعلا أنني لا أملك أخوات، هل جربت إحدى منهن أن تكون صديقتي وتشاركني كل تفاصيل حياتي، أكره تصرفاتهم الغريبة وأكره غرورهن وتكبرهن على خلق الله، كل منهم يجعلني أكره نفسي بسبب المال لا ينظرون إلى حجمهم في المرآة».
رسمت العديد من الصور لكل واحد منهم وكتبت تحليل لشخصيته وكل عقدهم النفسية، سردتها ببراعة فائقة.
كانت مليكة تحب أفلام الزمن الجميل وتناشد ذلك العالم، مع أنها فتاة من عائلة ثرية، لكنها كانت بسيطة جدا، متواضعة جدا، كانت تحب الرقص، كثيرا ما رقصت للحياة مع أن الحياة لم ترقص لها.
عندما تحاول الفتاة الهروب من ذلك الجحيم فإن الحب لن يتردد في التسلسل إلى قلبها و هذا ما حدث لها، عندما وقعت في حب أستاذها الذي كان يبادلها نفس الشعور كيف لا وهي التي تخطف الأنظار بجمالها وخفة روحها وطلتها البهية وطيبة قلبها .
كانت ترى فيه صورة عبد الحليم حافظ، فارسا سوف ينقذها ويغير مجرى حياتها ويضفى الألوان على دائرة حياتها الضيقة.
وقعت في الحب بكل جوارحها، كانت عيناها تبرق بشعاع لا مثيل له، تأملت في حياة أفضل بعيدا عن عائلتها الثرية والمتسلطة.
فتحت المذياع على أغنية عبد الحليم حافظ أول مرة
«أول مرة تحب يا قلبي و أول يوم أتهنا
يا ما على نار الحب قالو لي ولقيتها من الجنة
أول مرة أول مرة
ليه بيقولوا الحب أسيّا ليه بيقولوا شقا».
كانت ترقص وهي تصرخ وهي تردد في هذه الكلمات، شعرت بأمان لم تشعر به يوما في حياتها، أصبح لديها مخبأ سري تلتجأ إليه وتهرب من ضوضائهم جميعا، هم كانوا في نظرها مزعجين يعكرون صفاء عالمها الوردي.
أحبت الدراسة أكثر بحبها لذلك الأستاذ، الذي كان يرشدها ويدعمها ويحفزها نحو النجاح.
كانت تنظر إليه كسند لها وهي تلك الفتاة الوحيدة والمسكينة، لم يشعرها والدها أنها مهمة في حياته، بل كان يعاملها من وراء بروتكولات، ولم يعاملها يوما أحد أخواتها بحب وحنان، فذلك الأستاذ أصبح عالمها وكل حياتها.
شعرت أنه يشبهها، ذلك الرجل البسيط، لم يكن في ثراء عائلتها لكنه كان ثري العقل والتجارب وأحب تلك الفتاة طيبة القلب والطموحة، كانت متفوقة في الدراسة كل أحلامها شهادة جامعية والزواج من أستاذها الذي تعتبره عالمها الصغير والمميز .
كانت تدون كل كلمة في دفترها، كل أحاسيسها ومشاعرها، كل أحزانها وتفاصيل حياتها. وفي إحدى الأيام وبعد انتهاء الدرس قال لها الأستاذ «مليكة أريد أن أتقدم لطلب يدك من والدك»،
ابتسمت وقالت له «فليكن ذلك، سوف أحدد لك موعد لكن أحبذ أن يكون لقائك به على انفراد، أبي لا يحب أن يضعه أحد أمام الأمر الواقع، وهو يهتم كثيرا بالتفاصيل».
قال لها «طبعا سوف أفعل كل ما يرضيك»، كانت سعيدة جدا، عادت للمنزل، وأخبرت والدتها، ابتسمت والدتها وحضنتها ثم أجهشت بالبكاء لأنها كانت تخاف من ردة فعل الأب الذي لا يرضيه شيء.
قالت لها «سوف أتحدث معه لا تقلقي»، أخبرته، نظر لها نظرة غريبة، وقال لها «هل تمزحين»؟
هل كنت أرسل مليكة من أجل التعلم أو من أجل قصصها الغرامية، ومن يكون هذا، مجرد رجل غريب ليس من عائلتنا العريقة، منذ متى نزوج بناتنا للغرباء؟
هذا دمنا، منذ متى ذهبت دمائنا للغرباء؟
منذ متى قدمنا ثرواتنا على طبق من فضة للغرباء؟
منذ متى سمحنا لأي شخص باستغلال مالنا بدافع الجشع؟
هل ابنتك غبية لهذه الدرجة، وكيف سمحت لنفسها بمجرد التفكير في هذا ؟
كيف سمحت لنفسها بتجاوز البروتوكولات، لن تكون له، على جثتي.
بكت الأم وقالت له «أرجوك مليكة حساسة جدا، ولا تستحق منك هذه القسوة، فلتقابله، لا تحكم عليه قبل أن تعرفه جيدا».
صرخ وقال «يكفي لا أريد سماع شيء، أفضل أن تموت ابنتك على أن تتجاوز بروتكولات عائلتنا، وسوف أمنعها من رؤيته وسوف أسجنها في المنزل».
وفعلا نفذ والدها كل تهديداته ومنعها من رؤيته وسجنها في المنزل واتفق مع ابنته الكبرى على إعلان خطوبتها من قريبهم الثري بالرغم من رفضها ذلك، لم يستجيب الأب لا لبكائها ولا لصراخها، مليكة طرقت كل أبواب المساعدة من أخواتها البنات اللواتي رفضن مساعدتها .
قالت لهن «أنا لا استحق منكن هذا، لماذا كل هذا العداء، ماذا فعلت كي أرغم على الزواج من شخص لا أريده، لا يمكن أن اتخيل أنني في سجن مثل هذا، أشعر أنني في كابوس».
لكن لم يهتم أحد، بل كانت اجابتهن «لم تفكر إحدانا في تجاوز والدك، والدك محق
هل فقدتي عقلك سوف تتركين أثرياء العائلة وتتزوجين من أستاذ يتحصل على راتب شهري، هل تقبلين العيش معه براتب شهري، هل فقدتي صوابك.
والدك محق، منذ متى نتزوج الغرباء، هذه سنتنا في الزواج، لكي نحفظ على نسب العائلة ومالها، انهارت مليكة، شعرت أنها في كابوس.
أختها الكبرى فرضت عليها الأمر الواقع قالت لها «أرجوكي، لا تفعلي بي هذا ،أنتي أختي، بحق الإخوة.
أجابتها «اخرسي، لم أرى في حياتي مثل غبائك، سوف أنجز ما طلبه والدك، والكلمة الأولى والأخيرة له في البيت، و لن يساعدك أحد».
نون – خاص
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية