نون لايت

«صراع مع الماضي» رواية جديدة للإعلامية التونسية فريهان طايع (2-3)

كان شابا عاديا، وهي من حولها العديد ممن يتمنون فقط رضاها، لكنها كانت لا ترى غيره، كانت مخلصة في مشاعرها جدا له، كانت تخاف عليه وتحرص على مصلحته، كانت تنظر له وكأنه طفل بريء، لعبت دور الصديقة، حيث جسدت أغنية  إليسا التي كانت كلماتها :

«كرمالك صرت بخبي

بخبي الحب ساكن ألبي واعمل حالي ولا عبالي

مهتمة ومش مهتمة

ادامك بكون رفيقة اسأل عنك كل دقيقة».

اقرأ أيضا:

  1. «صراع مع الماضي» رواية جديدة للإعلامية التونسية فريهان طايع (1-3)

  2. فريهان طايع تكتب: رواية داليدا ولعنة الحب

  3. «أَدْرَكَهَا النّسيان» لسناء الشّعلان في مؤتمر رواية المرأة العربيّة في الهند

  4. «سجن اختياري» رواية نفسية تحطّم أسطورة الوصمة للكاتبة نرمين عِشرة

  5. «سلاسل الفيروز» رواية حديثة للأديبة الدكتورة أسماء عواد

في تلك الفترة كانت هذه أغنيتها التي عبرت عنها، لم تخبره أنها تحبه بل كانت دائما ما تقول له « أنا أعتبرك صديق مهم في حياتي و أنت أخي».

كانت تتعمد أن تقول كلمة أخي لكي تحمي كبريائها، لكي تبرهن أنها لا تحبه، لكنها كانت تنكوي من نيران الوجع .

وهل يوجد أصعب من حب مثل هذا، كم بكيت، كم جرحتها كلمات لم يقصد من خلالها أن يجرحها، لكنها كانت تتضايق من أبسط الأشياء، لأنها كانت حساسة جدا بسبب هذا الحب، وكأنها مذنبة، في كل ثانية كانت تجلد نفسها بدون سبب، كانت تريد أن تزيله من أفكارها، أصبحت في حيرة، هي التي كانت تقلق عندما تهمل واجب دراسي، أصبحت اليوم تقلق بسبب حب لم يجلب لها إلا الشقاء، هي التي لم تنتظر أحد أصبحت تنتظر رسالة منه بفارغ الصبر، هي التي لم تمسك يوما الهاتف بين يديها أصبحت تنظر للهاتف وتنتظر رسالته في كل ثانية، هي التي لم تكن تنفعل أصبحت انفعالية بسبب التوتر التي أصبحت  تعيشه، كان على مدار الساعات داخل تفكيرها وعقلها، شعرت أنه كل شيء في حياتها، أصبح كل شيء الأب والأخ والصديق، تعلقت به إلى أقصى حد، مثل طفلة تعلقت بشيء ولم تستطع أن تنساه رغم كل محاولاتها الغير مجدية .

في مرة تحدثت إليه في المعهد، سألته «ما بك أنت اليوم شارد »

ابتسم وأجابها أفكر في الامتحانات

وسألها: كيف نتائجك؟

أجابته «جيدة لكن لم أتحصل على المراتب الأولى»

ابتسم وقال لها «المهم فيما بعد النتيجة، لا تفكري في شيء إلا في دراستك لأنها رأسمالك».

كانت عينيها تلمع بالسعادة عندما فقط تتحدث إليه، لأنها كانت تشعر أنه حنون جدا كانت تبحث فيه عن الأمان والحنان، ولم تكن تعلم أن هذا الحب سوف ينقلب ضدها ويسجنها لسنوات ولم تكن تعلم أنه سيجرحها ويخيب آمالها، لم تكن تتخيل لثانيه أن تكتشف فيه شخصية أخرى.

أكملت دراستها في المعهد وتحصلت على مجموع يخولها الالتحاق بالجامعة التي تريدها واختارت مدينة بعيدة عن مدينتها لأنها كانت تريد أن تبتعد عن كل شيء وهو اختار اختصاص في مدينته.

لكن استمرت صداقتهما وكان ينصحها بأن تنتبه لنفسها وبعد حوار بينهما قالت له «اتركك يكفي أنني أخذت من وقتك».

أجابها لا أنا عندما أكون مشغول لا أفتح الفيسبوك، فلتضلي أريد أن نتحدث».

كانت سعيدة، كانت لا ترى إلا صورته لا تحادث أي شاب، كانت ترفضهم جميعا، الواحد تلو الآخر ولا تسمح لأي منهم بمجرد التحدث إليها، كانت تود أن تجتهد وتدرس وسعيدة بذلك الحب وسعيدة بذلك الصديق الذي لم تبحث يوما إلا على جوهره.

لم تفكر من هو، هل يملك مال أم لا، حتى في الوسامة كان عاديا، لكنها أحبت ذلك الإحساس الذي بداخله ولم تظن يوما أن عذابها سيكون بسببه وهو الذي شاهدها يوما تبكي في المعهد، فاتصل بصديقتها وسألها عن سبب حزنها وحاول أن يساعدها كان يطمئن عنها، شعرت حينها أنه بطل حقيقي.

لكنه فجأة تغير عندما قررت هي أن تنسحب من حياته لأنها كان تتأذى بسبب مشاعر لا تعلم نهايتها، كانت تود أن تبتعد، أرسلت له رسالة قالت له أنا آسفة  سوف أضعك في قائمة البلوك لأنني أتعذب ولم أعد أستطيع أن أعيش بهذا العذاب، حاولت أن تنسى بكل ما فيها من قوة لأنها لازالت تفكر في حبيبته التي كانت معه والتي هي لا تعلم شيء عنها، هو فقط كان يشتكى للغير بأنه على مشاكل دائمة معها ووصل بهم الحد إلى طريق مسدود، لكنها لم تكن تعلم التفاصيل.

وكانت تتألم  بسبب فتاة لا تعرفها وكانت تشعر بتذبذب، و كأنها في كابوس تريد فقط أن تركز في حياتها وتنسى هذا الفنان الذي أحبت إحساسه وروحه، وبعد شهور التقت به صدفة في الطريق عندما كانت في عطلة دراسية، تفاجأت أنه ابتسم في وجهها وألقى التحية، خجلت جدا لأنها تصرفت معه ووضعته في قائمة البلوك، اعتذرت منه، لكنه لم يشعرها أنه غاضب منها بل كان يعاملها وكأنها ابنته، قد كان لطيف جدا معها، فكرت وقررت أن تفتح فيسبوك جديد وأرسلت له طلب صداقة  و أصبحا صديقان من جديد لكن الأوضاع لم تكن جيدة لأنها لم تكن تجيد التصرف وحرصها على كرامتها جعلها تبالغ في ردود أفعالها.

كانت خائفة من أن يشعر بكونها لازالت تحبه، استفزته وأخبرته أنها تحب غيره وأصبحت تستفزه من أجل كبريائها، وانصدمت عندما أخبرها أن حبيبته الجديدة احتفلت بعيد ميلاده كان يحاول أن يغيظها ولم يكن يعتقد يوما أن هذه الكلمة سوف تجرحها و تقتلها، صرخت حينها من الألم، صرخت بصوت عالي وانهارت على الأرض، انهارت لأنها تحبه ولم تكن تنتظر منه أن يجرحها، لكنها وهي منهارة طلبت من صديقتها أن ترد برد قوي لا يجعله يعتقد أنها تأثرت أو غارت.

كتبت صديقتها «المهم أن تكون سعيد مع حبيبتك وأتمنى أن يحفظها الله لك» مع ابتسامة .

ثم كانت تواسيها و هي التي لم تكف عيناها عن البكاء، كانت تبكي طوال اليوم والنهار ولم يعد بإمكانها النوم والدراسة ومواصلة حياتها بشكل عادي، أصابت بصدمة، صدمة أفقدتها كل معاني الحياة، وأصيبت باكتئاب حاد وأصبحت لا تدرس ولا تفعل شيء إلا البكاء.

أصبحت تلعنه في كل أنفاسها شعرت أنه لا يستحق وفاءها واخلاصها، شعرت أنه مراهق وتافه، شعرت أن كل همه أن يتباهى بعدد الفتيات من حوله، سبب لها وجع كبير و صدمة نفسية أثرت على حياتها ودراستها، وسرقت البهجة من حياتها، وأصبحت تعاني من الضغوطات وأصيبت بابتلاء صعب حيث كانت تشعر أنها دائما ستصرخ بسبب الضغط، لم يعد بإمكانها حتى سماع المحاضرات والتواجد مع الناس لأن دموعها كانت تنزل بسبب وجعها وكانت تشعر أنها ستصرخ بسبب الكبت والضغط.

في مرة حاولت حضور محاضرة أحد الأساتذة التي كانت تحبهم وإذا بها لم تستطع حتى البقاء ربع ساعة، خرجت من المحاضرة مسرعة وهي منهارة، التحقت بها صديقتها، سألتها ما بك ماذا حدث، أين فداء التي كانت تسعدنا، ماذا حدث ؟

لم تستطع أن تجيب عن سؤالها، سؤالها الذي طرحه الكثير من أصدقائها، كانت عاجزة حتى عن الإجابة.

حاولت أن تبتسم في وجهها وقالت لها لا تقلقي أنا بخير مجرد أزمة و سوف أتجاوزها

حاولت بكل قوتها أن تتجاوز هذا الوجع، حاولت أن تدرس وكانت كل ما تذهب لمكتبة الجامعة تضع كتبها وتحاول أن تدرس، لكن حزنها كان أقوى ولم تستطع أن تكف عن البكاء، فإذا بها تغادر المكتبة وتهرب إلى مكان بمفردها وتبكي بكل حرقة، لكن حتى البكاء لم يواسيها، فتغادر الجامعة، فتجد نفسها لا تستطيع حتى النوم، كانت تبكي بحرقة طوال الليل، حتى صديقتها لم تستطع أن تفعل لها شيء.

قالت لها: فداء أنا اشتقت لصديقتي كثيرا، صديقتي التي كانت مرحة، كانت تنشر السعادة في كل مكان، هو لا يستحقك، هو تافه، أنت أفضل منه بكثير، حاولي أن تتجاوزي هذا الوجع، أعلم أنه صعب، حاولي أن تبتعدي عن أدوية الاكتئاب، من أجلي لأنني أحبك.

حاولت صديقتها أن ترمي أدوية الاكتئاب، حاولت أن تساعدها، لكن بدون جدوى .

فداء كانت لا تريد حتى الأكل، ولا حتى زيارة أهلها ولا حتى أن تجيب عن  سؤال واحد، لم تعد تريد حتى أن تشارك اصدقائها شيء.

كانت تريد فقط هو، فقط رسالة منه، فقط اعتذار .

كانت تصارع نفسها، كل ليلة كانت وسادتها تشهد دموعها، كانت تسأل الله أن يخفف عنها هذا الابتلاء، وجع كان يمزق روحها .

في ليلة شعرت أنها تختنق، لم يعد بإمكانها حتى التنفس، بكيت، قالت له يا الله أرجوك، اتوسل إليك أن تساعدني ، أرجوك يا الله  فقط أخبرني  لماذا يحصل معي هكذا .

يا الله أنت من تعلم حالي، يا الله لم أعد قادرة على التحمل، أرجوك يا الله، فوجعي ينزف، لماذا يحصل معي هكذا، يا رب أعلم أنك أنت الرحيم، فارحمي حالي يا رب، ساعدني اتوسل إليك، أنا بحاجة إليك.

وبعد انهيار غفيت، فإذا بحلم يرسله لها الله، فيه أن هذا الحب ابتلاء، وأنها الآن في بيت مهجور تشعر فيه بالغربة والوحدة وأنها إذا صبرت فإنها ستحصل على بيت مليء بالألوان والبسمة والسعادة

في اليوم التالي، أخبرت صديقتها «هل تعلمين ماذا رأيت الأمس في المنام»

وسردت لها المنام فاندهشت صديقتها و قالت لها: « هذه علامات أنه ابتلاء وأن الله يمتحنك، أنت محظوظة لأن الله أرسل لك رسالة، هذا علامة عن رضاه، فابشري »

حاولت أن تكمل دراستها ونجحت تلك السنة، وانقطعت عنه نهائيا، لغت وجوده من حياتها، رغم أن مشكلة الاكتئاب كانت تلاحقها لمدة سنتين وكانت غير قادرة على حضور المحاضرات وانقطعت لفترة في السنة الثانية عن الدراسة لأنها لم تعد قادرة على التواجد في مكان مليء بالناس، كانت تتعذب، عذاب لا يمكن لأحد أن يشعر به، كانت تتهرب من الجميع، كانت تحاول أن تجاهد من أجل سماع محاضرة واحدة، لكن صوت الصراخ الذي بداخلها والضغط  النفسي دفعها لترك الدراسة لفترة، حيث أصبحت لا تذهب لجامعة، و لا أحد كان يشعر بها، من حولها المعجبين الذين  ينبهرون بشكلها الخارجي فقط ولا أحد كان يعلم بصوت قلبها المجروح.

تتالت عروض الارتباط من حولها كل زملائها كانوا يريدون فقط كلمة منها، لكنها أصبحت تكره الحب، وحاولت الهروب من الجميع، كانت حزينة ومكسورة، لأنها  تشعر أنها لا تسطيع أن تنجز وتتميز مثلما كانت، ذلك الابتلاء عذبها، كانت دائما ما تبكي، بعيدا عن الأنظار، و كانت دائما ما تشرد، انقطعت سنة عن الدراسة.

ومن ثم حاولت أن تعود من جديد، حاولت أن تهزم كل شيء، و فعلا نجحت، ثابرت اجتهدت، وتحصلت على الرتبة الأولى، وحاولت أن تبنى علاقات اجتماعية جديدة وتنسى كل ما مضى.

و فعلا انسحب من تفكيرها تدريجيا سنة بأكملها لم تفكر فيه إلى أن شاءت الصدفة أن تلتقي به صدفة، تجاهلته، لكن شاءت الأقدار أن تسامحه وتبوح له بكل ما حصل معها بسببه . و من ثم أخبرته أنها أصبحت لا تحبه وأنها تحب شخص آخر .

سألها هل تحبينه؟

أجابت بلهجة قوة نعم أحبه

حينها شعرت بالسعادة لأنها اجابته عن سؤاله، بجواب لم يخطر في باله

تساءلت ماذا يظن؟

يظن أنني سأبقى أتعذب بسببه، هو لم يرحم ضعفي، هو لم يشعر بوجعي، هو خيب آمالي، ولم يرحمني حتى كصديقة، أخطأ جدا في حقي، مستحيل أن أغفر له، مستحيل أن أنسى أنه سبب كل هذا الوجع، ثلاث سنوات و أنا أعاني بسبب كلمة لم يفكر فيها قبل أن يقولها وطعن قلبي بألف خنجر، رغم أنني لم أكن أنتظر منه شيء حتى مجرد وعد، كان يكفيني أن يكون صديق يحترم مشاعري لا أكثر .

كانت تواجه صراعات مع نفسها وتتظاهر بالقوة، كانت دائما ما تقول لنفسها، لن يرى ضعفي مجددا مستحيل.

 

 

–  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدول

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى