تستمر محاولات الاحتلال الإسرائيلي لخلق رواية مضللة تجرّم التحرك الفلسطيني الشعبي وتسعى لدفع العالم إلى إدانته، وعليه لا يوفر رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ولا وزراء حكومته فرصة إلا ويربطون فيها خلال خطاباتهم بين الفلسطينيين ورموز الإرهاب والاستبداد في العالم سواء الحالية أو التاريخية.
ففي خطابه، الثلاثاء، أمام الكونغرس الصهيوني في القدس المحتلة، برأ نتنياهو الزعيم النازي أدولف هتلر من “نيّة” إبادة الشعب اليهودي وارتكاب المحرقة الشهيرة بـ”الهولوكوست”، واتهم بالمقابل المفتي العام للقدس في أوائل القرن العشرين، الحاج أمين الحسيني، بأنه هو من أقنع هتلر بعدم طرد اليهود من أوروبا وحرقهم وإبادتهم بدلاً من ذلك، وذلك خلال اجتماع له مع هتلر عام 1941.
واستناداً إلى الأدلة التاريخية، يتضح أن تصريح نتنياهو ليس أكثر من كذبة تهدف لتضليل الرأي العام، فبحسب ما صرّح به البروفيسور دان ماخمان، رئيس مركز بحث المحرقة-الهولوكوست، لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، فإن نتنياهو أدلى بمعلومات “خاطئة” في خطابه، وأضاف: أن “لقاءً جمع بين هتلر والحسيني إلا أن ذلك كان بعد بداية “الحل النهائي””؛ أي بعد الشروع بتنفيذ خطة الهولوكست.
وأكدت ذلك للصحيفة أيضاً المؤرخة الرئيسية في مركز “ياد فاشيم”، البروفيسورة دينا بورات، قائلة: إنه “لا يمكن القول بأن المفتي هو الذي أعطى فكرة قتل أو حرق اليهود. هذا غير صحيح. فاللقاء بينهما كان بعد أن قام النازيون بسلسلة من عمليات قتل وحرق اليهود”.
وإلى جانب الغضب الذي تسببت به التصريحات المغلوطة في الأوساط البحثية والمؤرخين، غضب عارم اجتاح كنيست الاحتلال، إذ اعتبروا أن هذه التصريحات توازي تبرئة تاريخية لهتلر من الكارثة التاريخية الكبرى بالنسبة لليهود والإسرائيليين، والتي اعتبرت نقطة فارقة في تاريخهم.
فمن جهته، قال زعيم أحزاب المعارضة في كنيست الاحتلال، يستحاق هرتسوغ، عبر صفحته الرسمية في موقع “فيسبوك”: إن “تصريحات نتنياهو هي تزوير تاريخي خطير، وعليه تعديل أقواله فوراً”، وإنه يخدم بذلك من ينكر المحرقة، في حين صرّحت رئيسة حزب “ميرتس” اليساري الصهيوني، زهافا غالئون، بأن التصريحات تدل على “مدى الانحطاط” الذي وصل له نتنياهو، وقالت إنها “تخجل به” وستترك التحليلات النفسية للمتخصصين، مشيرة إلى أنه “من يعجز عن تغيير المستقبل لا يبقى له إلا إعادة كتابة التاريخ”.
وانضم وزير جيش الاحتلال أيضاً إلى موجة الغضب ضد تصريحات نتنياهو، فانتقد يعالون تصريح نتنياهو خلال حديث معه عبر إذاعة جيش الاحتلال، إذ أكد أن “الحاج أمين الحسيني ليس هو من ابتكر الحل النهائي، فهو التقى بهتلر عام 1941″؛ أي بعد مقتل أكثر من 33 ألف يهودي في أوروبا على يد النازيين.
على الرغم من موجة الغضب العارمة، إلا أن هذه ليست المرة الأولى التي يدلي فيها نتنياهو بتصريح شبيه، فالمعلومة نفسها ذكرها في خطاب له في شهر يناير/كانون الثاني عام 2012، وقد طالبت عائلة “الحسيني” على إثرها برفع قضية ضد نتنياهو لاتهامه الحاج أمين الحسيني بالتسبب بالمحرقة.
وينضم إلى هذه التصريحات والادعاءات التاريخية الكاذبة، محاولة مستمرة لربط جميع الرموز الفلسطينية بالإرهاب، فعلى الرغم من كون السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس تصرّح باستمرار حول تمسكها بالحل السلمي وبالمفاوضات، إلا أن نتنياهو ربط اسم محمود عباس بحركة حماس وبتنظيم “الدولة” أيضاً.
ففي تصريح أدلى به الثلاثاء الماضي أيضاً، قال نتنياهو: إن “محمود عباس انضم لداعش وحماس” بادعائه أن الاحتلال يهدد المسجد الأقصى. وأضاف بأنه “ليس هناك أي جهة تحمي المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية” في فلسطين سوى جيش الاحتلال.
إلى جانب ذلك، اهتم إعلام الاحتلال ورموزه السياسية أيضاً خلال السنة الماضية، تحديداً بعد بدء عمليات الطعن ضد جنود الاحتلال والمستوطنين، بالربط بين عمليات الطعن وتنظيم “الدولة”، وإطلاق ادعاءات بأن الشباب الفلسطيني منفذ العمليات يستلهم الطريقة من التنظيم الإرهابي الفاعل في سوريا والعراق، الذي اشتهر بذبحه للرهائن.
قد وصلت العاصفة التي تسبب بها التصريح إلى الحكومة الألمانية، التي ردّت من ناحيتها بالقول: “المسؤولية مسؤوليتنا ولا داعي لتغيير التاريخ”، ومن ناحيته “تعجب” نتنياهو من موجة الغضب ضدّه واضطر إلى التعليق على الموضوع قائلاً: إنه “لم يقصد إعفاء هتلر من المسؤولية”، ووصف أن موجة الغضب هي عبارة عن “سخافات وعبث”.